2021/08/26
  • وزارةٌ سيئةٌ وربٌّ كفور
  • في قرار وموقف ليس الأول من نوعه؛ كشفت وزارة التربية والتعليم التابعة لحكومة صنعاء عن وجهها الحقيقي المليء بالفساد والتشوهات، إذْ كان قرارها الأخير الصادر في بداية هذا العام الدراسي 2021 ـ 2022م بخصوص المدارس الأهلية والرسوم الدراسية كفيلاً بإسقاط القناع عن ذلك الوجه الأقرب إلى ظلام الجهل منه إلى نور العلم، حتى وإن بدا محاولاً الحفاظ على ذلك القناع والتستر وراء ما يسمونه مصلحة المواطن.

    أفلا يترك هؤلاء القوم التشدق بالمسميات البراقة والشعارات الرنانة، وينظرون فعلاً إلى ذلك المواطن الذي سحقوه سحقاً، وكالوا له كل أصناف الويلات والمآسي، وحرموه جنباً إلى جنب مع العدوان الخارجي على اليمن من مرتبه الذي يؤمن له قوته وقوت أبنائه ويوفر لهم أبسط مقومات الحياة.

    أين هي مصلحة المواطن من هؤلاء !!؟ وهم لا يرقبون فيه إلَّاً ولا ذمة، فإلى جانب ما حصل ويحصل له من خوف ودمار وخراب بسبب العدوان ومرتزقته؛ يرفع هؤلاء بدورهم على هذا المواطن أسعار المواد الغذائية والمتطلبات الصحية وغيرها من المواد ذات الصلة بحياة المواطن المسكين، أضف إلى هذا أسعار المشتقات النفطية من البترول والديزل والغاز وغير ذلك، ففي حين يتغنَّون باسم المواطن ومصلحته يدهسونه دهساً بنعالهم كالحشرة.

    وبعد: يأتي صنف من هؤلاء المتسلقون على دماء وفقر وجوع ومعاناة المواطن ليمارسوا ما يحلو لهم من طقوس الإقطاع والجباية ضد المدارس الأهلية التي تقدم أهم وأعظم وأجل وأشرف الخدمات لهذا المواطن، وهي خدمة التعليم التي تنصلت عن تقديمها مدارس الحكومة التي يقودها هؤلاء، بل وقوَّضت فيها كل رغبة وأمل وحلم في التعليم، وجعلت من المعلم عالة على مجتمعه، ورمته كالشيء المهين.

    نعم هذا هو الواقع وهذه عين الحقيقة، رغم الشعارات الفارغة التي نسمعها من هؤلاء مراراً وتكراراً، تلك التي تقدس العلم وتُجِلُّ المعلم وتفخر بصموده وثباته بدون راتب في ميادين الشرف، بينما يأكلون راتبه ويستحلبون جهده ووقته لمصالحهم هم لا مصلحة أحد غيرهم، وهكذا حتى يصير المعلم على أيديهم لقمة صائغة للجوع والفقر، ويعود إلى نفسه وأهله كالعرجون القديم.

    ولنسأل هؤلاء القوم: ماذا قدمتم للمواطن أو للمعلم وما الذي تقدرون على تقديمه لأحدهما في قادم الأيام؟
    هل لديكم ما ستفعلونه؟ أما ما ستقولونه فلا نريد أن نسمعه، فقد مللنا منه وحفظناه عن ظهر قلب وأصابنا بالغثيان.
    إن راتبكم أو بالأصح بقايا الراتب الذي تعزمون على تقديمه للمعلم في شهرٍ ما لن يكفيه لتأمين قوت يومين أو ثلاثة أو حتى أربعة أيام له ولأبنائه، وإن مدارسكم الحكومية التي لازلتم تسمونها مدارس قد تحولت إلى مراكز جباية واسترزاق لكم، وعلى المستوى المهني صارت أشبه ما يكون بمبانٍ وساحات للتجمعات والزيارات والتعارف وإقامة الفعاليات ونحوها.

    هل تستكثرون على من يرفع ما لا يزيد على 10% في الرسوم الدراسية مقابل تقديم خدمة تعليمية ومجتمعية كذلك تلبي متطلبات ورغبات وطموح المواطن اليمني الذي طحنتموه بطواحينكم، وأنتم في المقابل ترفعون الضرائب ورسوم التراخيص والخدمات والتأمينات والشهادات وغير ذلك على هذه المدارس أضعافاً مضاعفة، بل وتبيعون لها الكتاب المدرسي بأثمان باهضة بعدما حولتم واحدة من أهم القطاعات الخدمية المجانية والتي يعود ملكها للشعب " مطابع الكتاب المدرسي " إلى شركة خاصة ومؤسسة ربحية تابعة لأشخاص بعينهم، أهذا ما تسمونه عدلاً ومساواة وإنصافاً ومصلحة مواطن!؟ فما لكم كيف تحكمون!؟


    أعميت أبصاركم؟ لا بل قلوبكم، فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، ألا ترون صمود المدارس الأهلية رغم ظروف العدوان الخارجي وما تعرضت له البنية التحتية للتعليم من دمار وخراب بسببه، ورغم كل الأعباء والالتزامات المالية التي عليها والتي تفي بها وتلتزم بدفعها في ظل الوزارة الموقرة، فهي التي تُعَلِّم في غياب دور المدارس الحكومية، وهي التي تحمل عنكم عبئاً كبيراً في رفد الوطن بالمخرجات التعليمية النوعية، وفي احتواء واستيعاب عدد كبير جداً من المعلمين والمعلمات من القطاع الحكومي بعدما انقطعت رواتبهم، ومن بين هذه المدارس الأهلية مدارس رائدة لها وزنها وتأريخها في الساحة التعليمية، وتحرص على تقديم خدمة تعليمية نوعية وفق المعايير والمواصفات المعتمدة سواءً على مستوى المباني والمرافق والتجهيزات أو على مستوى الكادر التعليمي من ذوي الخبرة والكفاءة، وبالإضافة لهذا تفي بالتزاماتها المادية تجاه الوزارة والجهات ذات الصلة، وتستوعب عدداً كبيراً من المعلمين برواتب عالية تتراوح بين 80 ألف ريال ـ كحد أدنى ـ وبين 300 ألف ريال، وربما تزيد. 
    وفي خضم هذه الأعباء والتكاليف تمنح عشرات المقاعد الدراسية لحفاظ القرآن الكريم، ومثلها وأكثر للأيتام، وأكثر منها لأبناء الشهداء، أما التخفيضات التي تمنحها إدارة هذه المدارس فحدث ولا حرج؛ إذْ أن الغالبية العظمى يتم منحهم تخفيضات جيدة من إجمالي الرسوم الدراسية تبدأ من 15% وتصل إلى 80% حسب الحالة، ولعل من صواب القول هنا إن هذه الرسوم الدراسية التي حط عليها أصحاب التربية أعينهم وصارت محط اهتمامهم؛ قد لا تزيد على كونها مستحقات تُؤْخَذ من أغنياء الناس وتُرَد لفقرائهم والمعسرين منهم، كرواتب ومنح ومقاعد مجانية وتخفيضات لللغالبية منهم ودعم للمشاريع والفعاليات الخيرية والوطنية.

    وبعد كل هذا: أليس منكم رجل رشيد؟! أليست مصلحة المواطن والوطن في أن تستمر هذه المدارس الأهلية بتقديم كل تلك الخدمات وفي مقدمتها التعليم النوعي الذي يلبي متطلبات العصر ويضمن لأبنائنا مستقبلاً كريماً ويُمَكِّنهم من تحقيق أحلامهم في سبيل المستقبل المنشود ؟!.

    وإذا كنتم أنتم الدولة قد عجزتم عن تلبية هذه الخدمات للمواطن؛ فبأي حق وبأي قانون تخاطبون ـ بهذه اللهجة ـ تلك المدارس وهي قطاع خاص يتمتع بكافة الحقوق المكفولة له بموجب قوانين الاستثمار!؟، وهل تعقلون ما تقولون وتفعلون؟ أم أنكم تعملون بالمثل القائل: جِنَان يخارجك ولا عقل يحنبك...؟

    وبأي آلاء المعلم ومؤسسات التعليم النوعية تكذبون؟.
    فبدلاً من توفير المناخ المناسب والبيئة الخصبة لهذا القطاع الهام المتمثل في المدارس الأهلية، التي تحمل عن الحكومة عامة والوزارة الموقرة على وجه التحديد عبئاً كبيراً جداً في تعليم الأجيال واستيعاب المعلمين المنقطعة رواتبهم، وما إلى ذلك من الخدمات المجتمعية؛ يقوم هؤلاء بابتزاز هذه المؤسسات التعليمية وتضييق الخناق عليها، فيخرجونها من دائرة الاهتمام بتطوير وتحسين العملية التعليمية ورفع مستوى الأداء إلى أنفاق الجزر والمد، ومضائق الإقطاعية المقيتة، في جوٍّ مشحون بالتوتر والقلق المادي بعيداً عن فقهَي الأولويات والواقع، أليست تلك الخدمات التعليمية ما عجزت ـ أو ربما تقاعست ـ الحكومة والوزارة عن تقديمها للمواطن اليمني!؟
    إذنْ ما هذا الذي نراه من قرارات عقيمة ومُجحِفة! وما هذه المواقف والرؤى المتناقضة والمنفوخة! والتي لا تزيد الطين إلا بلَّة!! ولِمَ كل هذا الضجيج واللفُّ والدوران! وإلى أي موضعٍ يذهبون ليضعون عليه أقدامهم! أم أنهم أُوتُوا نصيباً من العلم لم نُؤْتَهُ نحن، فصاروا أهل حقٍ ونحن أهل باطل.

    قناة " الهاوية " أوووووه عفواً " الهوية "؛ هي الأخرى ظهرت جزءاً في ذلك الجسد السرطاني الفاسد الذي يلتفُّ كالأفعى السامة على جسم العملية التعليمية ليخنقها ثم يلتهمها على رواقٍ وبمزاجٍ عالٍ، وكل هذا باسم المواطن وتحت مسمَّى الدفاع عن حقوقه ومصالحه، وهم الذين قد أكلوا عليها وشربوا.

    إنها القناة المُضَلِّلَة، التي تلبس ثوب الواعظين وتُمثِّل دور المُصلحين، فيما تظهره لأعين الناس في سُلْطَتِهَا أو سَلَطَتِهَا الرابعة، وتحت قُبَّة بَرْلَمَانِهَا أو بَرَمَانِهَا، وهكذا تُلقِي عصاها لتسحر أعين الناس، وفي الحقيقة إنها بمن فيها سحرة الفرعون الذي لا يعلم ويقبل بغيره إلهاً وحاكماً لهذا الشعب.

    ولأجل تحسين صورة ذلك الفرعون الإله ـ وملأه ـ تقوم الهوية بإثارة مثل هذه القضايا وإحداث نوع من البلبلة والصخب والضجيج من حولها، وتهتف عبرها بمصلحة المواطن ومحاربة الفساد الذي ينهش ذلك المواطن؛ ليأتي حينها دور ذلك الإله المُخَلِّص ـ أو " ال مُخّ لِص " فيُصدِر توجيهاته وقراراته التي تُرَاعِي وتَرْعَى مصلحة المواطن، وبهذا الدور تبدو قناة الهوية منبراً وطنياً حُرَّاً، ويبدو ذلك ال مُخّ لِص قائداً وطنياً يحمي الوطن ويرعى مصالح أبنائه، وعلى أنه ذلك الديموقراطي الذي يتمتع بقدر كبير من النزاهة والمصداقية، ويوفر مساحة كبيرة لحرية الرأي والتعبير، سواءً على مستوى المؤسسات والقنوات الإعلامية أو على مستوى الأفراد.

    ونتساءل هنا: أين صوت العقل؟ وأين غابت العقول؟ هل ذهبت في إجازة مفتوحة، بلا راتبٍ كما ذهب المعلم!؟ نعلم جيداً أن هناك عقلاء ومنصفين في القطاع التربوي والتعليمي، لذلك نوجه لهم نداءً من بين هذه السطور ونقول لهم: إن الأصوات إذا توحَّدت سُمِعَتْ، وإذا تفرَّقَتْ ضاعت كما يضيع صوت حجرٍ رُمِيَ إلى وادٍ سحيق، فلتكن أصواتكم إلى أصواتنا صوتاً واحداً لإنقاذ المعلم والتعليم مما يتربص بهما باسم الوطنية والمواطن، ولا تهنوا في ابتغاء الحق والحكمة، ولا يخدعنَّكم ما يُرفع من شعارات ظاهرها فيه الرحمة وباطنها من قبله العذاب.

    هكذا تسير الأمور في طريق ضبابي موحش، يستهدف العملية التعليمية ومقوماتها وضماناتها، كما يستهدف كل ما من شأنه بناء الإنسان والوطن، وفي هذا الشأن لا أرى أي خاتمة لهذا المقال أصدق ولا أجمل مما قاله شاعر اليمن الكبير " عبدالله البردوني ":

    وأقبحُ النصرِ... نصرُ الأقوياءِ بِلا
    فهمٍ.. سوى فهمِ كم باعوا... وكم كسبوا

    أدهى من الجهلِ علمٌ يطمئنُّ إلى
    أنصافِ ناسٍ طغوا بالعلمِ واغتصبوا

    قالوا: هُمُ البشرُ الأرقى وما أكلوا
    شيئاً.. كما أكلوا الإنسانَ أو شربوا .

    تم طباعة هذه المقالة من موقع شبكة بويمن الإخبارية www.buyemen.com - رابط المقالة: http://boyemen.com art 6337.html