2020/05/30
  • اليمن الجديد يحتاج عاصمة للمستقبل
  • يحفر الرئيس عبدربه منصور هادي في أعماق أزمات قديمة لم يكن طرفًا فيها، يقاتل مثل نسر بري قطيعًا جائعًا من الذئاب على عش صغاره، وقد يكون مخطئًا حين ترك العش على درب قُطّاع الطرق، قلت له : من يريد البناء عليه اختيار جيرانه قبل داره . وقد كان جيران صنعاء أسوء من أي احتمال ، غدروا به وبالدولة والنظام، وسحق الحوثيون بـأقدام "بكيل" كل غرور مصطنع لرؤساء "حاشد" الجمهوريين . حملوا معهم هامش حياة في الظل وغادروا الليل كالغزاة على رأس سُلالة ابتهجت بقدسيتها ونظريتها في قيامة العرق وأفضليته !.

    تقوم علاقة قبيلتين يمنيتين هما حاشد وبكيل على الفتنة، والعداء رغم أنهما أصلًا شقيقان، وكِلا القبائل المتناسلة فيها أولاد عم، لكنها "صنعاء" تغويهم بسلطتها وتستهويهم، فيقتتلون قتال الأقارب بكل ما فيه من ضراوة وأحقاد .

    يتسلل الحاشديون من بوابة العداء للإمامة فيظفرون بصنعاء حينًا ، ثم يقتتلون كأي حمقى على فتات بائس، فيغزو العاصمة جانبًا من طوقها وهم بكيل، وتَمسي صنعاء رهينة بين أذرعهم، تارة يفوز قوم هذا، وتارة يخسرون، فتنّجر البلاد كلها إلى الخراب، وتكثر النزاعات وينقسم الناس ويعلو نواح أرامل اليمن على بعول ساقتهم اقدار التحالفات العصبوية إلى هلاك محقق .

    وحين يأتي الصوت والسلاح والرجال من وراء الجبال الحميرية حاملًا معه غُرة الخيول اليمانية وبأس العزيمة وجباهًا حُرة لا تنحني أو تنثني إلا لخالقها، ترضخ صنعاء، فيدخلها أولئك فاتحينا، لكنهم ما يلبثوا أن يعودوا إلى أرضهم وقد تملكهم شعور بالفخر الذي انتزعوه بأنياب السيوف ونصالها، وحين يدورون نحو بلادهم البعيدة إلى مذحج العُلا، تغدرهم صنعاء وتترك فخرهم في قبضة رجل من أهل تلك المدينة ، وتبدأ حكاية أخرى تنتهي بخيانة تتكرر حتى صارت مملة ودامية .

    صنعاء هي العلة والسبب، ومن أرادها عاصمة وليس مولودًا في ضواحيها فلن تقبله، هكذا أفصحت لنا صنعاء عن طبيعتها ورغبتها منذ ألف عام، وقد فهمت "أروى الصليحي" ذلك وهاجرت بالعاصمة إلى "جبلة" على تخوم حمير، لتؤسس أعظم تاريخ يماني حُر تجاوز الخمسين عامًا، ثم توارث عليها بعض الحكماء حتى عادت العاصمة إلى صنعاء .

    وأما اليوم وفي ظل حروب مناطقية عميقة وثارات مدفونة في صلب عدن، و عنصرية إمامية جائحة كالويل تطوف دور صنعاء، فمن العقل والحكمة أن تخرج العاصمة من يد هاتين المدينتين، فمن أراد بناء اليمن الاتحادي الجديد عليه أن يُشرع أولًا ببناء عاصمة المستقبل وتحصينها، على أن تطل من شرفاتها الغناء نحو أكثر القبائل ولاء لليمن هوية وأصلًا ونسبًا، أرض جديدة لم تطئها زيدية أو شافعية، تكون شغف الشباب وأملهم، ومحاضن ذراريهم الأكثر تعليمًا وقدرة على تحديد أولويات اليمن وصياغة دستوره ومباهجه .

    نعم .. اليمنيون يحتاجون إلى أمل ولن يكون ذلك إلا ببناء عاصمتهم الجديدة، فلا صنعاء ولا عدن ، تلك عواصم رددت حجارتها صرخات ملايين اليمنيين المفجوعين والمستضعفين على مدى عشرة قرون، لقد أكل الدهر من عويل العائلات المتعاقبة ما أشبع حياتنا بؤسًا وقضم أعمارنا بلا فائدة .

    .. وإلى لقاء يتجدد

    تم طباعة هذه المقالة من موقع شبكة بويمن الإخبارية www.buyemen.com - رابط المقالة: http://boyemen.com art 6209.html