عبدالناصر المودع

عبدالناصر المودع

أكثر من نصف مليون دولار يوميا؛ قيمة فساد نفط مأرب

2023-12-20 الساعة 18:05

تدور هذه الأيام اشتباكات عنيفة بين قوات "حكومية" وبعض قبائل مأرب، أسباب هذه الإشتباكات الصراع على فساد نفط مصفاة مأرب النفطية. ولتوضيح ذلك سأشير في النقاط التالية إلى طبيعة هذا الفساد وأطرافه: بعد أن توقف توريد عائدات النفط والغاز من محافظة مأرب إلى البنك المركزي في صنعاء بداية 2015، أصبحت هذه الموارد تحت سيطرة السلطة المحلية في محافظة مأرب. هذه الموارد تشتمل على: إنتاج نفطي وصل في نهاية عام 2021 إلى 25 ألف برميل يوميا، يذهب 10 ألف لمصافي مأرب و 15 ألف يصدر للخارج أو لكهرباء عدن بعد توقف التصدير للخارج. ويباع جزء منه محليا لإستخدامات عديدة، وإنتاج غازي يومي بـما يعادل 21 برميل نفط مكافئ. في حال تم بيع كل الكمية المنتجة من النفط والغاز بالسعر العالمي للنفط والغاز (77$ للبرميل) فإن قيمتها السنوية، ستصل إلى 1.3 مليار دولار، ولكن معظم هذه الكمية (ما يباع للسوق المحلية) يباع بأسعار متدنية، تحت حجة الدعم. فيما الحقيقة أن هذا الدعم القصد منه توفير قناة واسعة لفساد ضخم هو الأكبر في اليمن. في هذا المقال سأشير لجزء صغير من هذا الفساد، وهو المتعلق بالمشتقات البترولية المنتجة عبر مصفاة مأرب، والذي بسببه تدور الاشتباكات الحالية. وكما ستكشفه الأرقام في النقاط التالية، فإن هذا الفساد تزيد قيمته عن نصف مليون دولار يوميا في أسوأ الأحوال. متوسط إنتاج مصفاة مأرب يتراوح ما بين 10:9 ألف برميل يوميا (1.5 مليون لتر) يباع اللتر للمستهلك من البنزين بـ 175 ريال، فيما متوسط سعر اللتر غير المدعوم في مأرب وغير مأرب 1200 ريال. وهذا يعني بأن السعر غير المدعوم يزيد عن 7 أضعاف السعر المدعوم. من الناحية النظرية يتم بيع منتجات المصفاة لمحطات النفط في محافظة مأرب وبعض القطاعات الخدمية والقطاعات الحكومية في المحافظة بالسعر المدعوم، غير أن جزء كبير منه يتسرب إلى السوق من تلك الجهات ويباع بالسعر الفعلي. وعلى افتراض أن نصف الكمية تباع بالسعر المدعوم، فإن ما يتبقى يذهب لمنظومة الفساد الكبيرة والمعقدة المستفيدة من الدعم. وتبلغ قيمة تلك الكمية أكثر من 500 ألف دولار يوميا على الأقل (750000 لتر × 0.7 دولار) يتقاسم فساد المشتقات النفطية في مأرب أطراف عديدة أهمهم: سلطات محافظة مأرب/حزب الإصلاح، القادة العسكريين والأمنيين في مناطق النفط والغاز والمنشأت، شيوخ القبائل والنافذين وبالذات شيوخ قبائل عبيدة حيث يتواجد النفط والغاز، الموظفون الكبار في شركة صافر ووزارة النفط، وبعض المسؤولين الكبار فيما يسمى الحكومة الشرعية. يضاف لهؤلاء عددا كبيرا من المستفيدين الصغار ممن يبيعون حصصهم بالسعر المدعوم في السوق السوداء. آلية الحصول على النفط بالسعر المدعوم وبيعه بالسعر الفعلي، تتم عبر شبكة معقدة تخفي عملها. ومن ذلك؛ إنشاء محطات بترول من قبل شيوخ القبائل والنافذين من قادة الجيش وقادة المؤسسات الأمنية، والتجار الذين يعملون لحساب الشخصيات النافذة التابعين لحزب الإصلاح، ويتم توزيع المشتقات النفطية بالسعر المدعوم على هذه المحطات. بعد ذلك تبيع هذه المحطات جزءً منه بالسعر المدعوم فيما تبيع الباقي بالسعر الفعلي داخل محافظة مأرب وخارجها. إلى جانب ذلك، يتم توزيع المشتقات بالسعر المدعوم لبعض القطاعات الخدمية والمرافق الحكومية المدنية منها والعسكرية، ويقوم المسؤولون على هذه القطاعات ببيع جزءً من حصصهم بالسعر الفعلي مباشرة أو من خلال بيع جزء من الحصص لسماسرة بيع النفط. رغم تضاعف أسعار النفط والغاز منذ 2015 وحتى الآن كان الفاسدون من سياسة الدعم يقاومون أي محاولة لرفع الأسعار، تحت حجة الأثار السيئة على المواطنين في محافظة مأرب فيما يخص المشتقات النفطية، وبقية المحافظات فيما يخص الغاز. وهذه الحجة هي نفسها التي يسوقها الفاسدون من سياسات الدعم في كل زمان ومكان. وبالعودة إلى موضوع الاشتباكات الحالية فقد اندلعت بسبب رفض مشايخ مأرب (أصحاب محطات البترول) رفع سعر اللتر من 175 إلى 400 ريال؛ فهؤلاء هم من يتصدر معارضة رفع الأسعار بالنيابة عن شبكات الفساد التي ذكرناها. فعلى الرغم من أن الدعم لم يُلغى ولا زالت الأسعار المقترحة تقل عن ثلث الأسعار الفعلية؛ إلا أن الفاسدين لا يريدون أن يخسروا جزء من مكاسبهم الكبيرة، والتي يعتبروها حق من حقوقهم. يضاف إلى ذلك، فإن هذه المعارضة تهدف إلى إيصال رسالة للجهات التي تطالب برفع الدعم أو تقليلة، مفادها أن تنفيذ هذه المطالب يؤدي إلى عنف وفوضى. وهذه التكتيكات كانت تتم في الماضي أيام حكم الرئيس صالح، فحين كانت الحكومة ترفع أسعار المشتقات النفطية استجابة لضغوط المانحين، كان لوبي فساد الدعم يعمل مظاهرات متفق عليها مع الرئيس صالح، كي لا تقوم الجهات المانحة بطلب مزيد من خفض الدعم. ويمكن القول أن الاشتباكات التي تدور في مأرب هذه الأيام هي اشتباكات متفق عليها بين أطراف لوبي فساد النفط، هدفها إيصال رسالة للجهات التي طالبت بتحسين الإيرادات الحكومية وضبطها (السعودية ، الإمارات ، صندوق النقد الدولي، سفراء الدول المانحة) مفادها أن رفع الدعم عن مشتقات النفط والغاز يؤدي إلى عنف وفوضى، ومن ثم فإن المطالبة بمزيد من خفض الدعم قد تجر إلى فوضى وعنف غير مسيطر عليه. من المحتمل أن يتم إقرار الزيادة الجديدة أو تخفيضها بعد التضحية بعدد من رجال القبائل والعسكر المساكين، بعد أن يتأكد الفاسدون من أن الرسالة وصلت للمانحين بحيث لا يطلبوا مجددا رفع جزء من الدعم. هذا الفساد هو نموذج لتربح القلة القليلة من عذاب اليمنيين وفقرهم، ولا عزاء للشعب اليمني وبالذات القتلى والجرحى من العسكر والقبائل.