عبدالناصر المودع

عبدالناصر المودع

المشروع الانفصالي باطل قانونا، ومدمر سياسيا

2023-05-27 الساعة 22:26

في عام 2012 نشرت دراسة قانونية/سياسية حول موقف القانون الدولي من موضوع انفصال المحافظات الجنوبية. وهذه الدراسة هي الوحيدة حتى الآن، حسب علمي، التي تطرقت لهذا الموضوع الوجودي للدولة اليمنية. ورغم أهمية الدراسة إلا أنها لم تحظى بالاهتمام الرسمي والحزبي، ولم يطلع عليها سوى عدد محدود من اليمنيين. ويرجع السبب في ذلك، إلى سيطرة الانفصاليين، العلنيين، والضمنيين، منذ ذلك التاريخ على الجمهورية اليمنية، فيما الطبقة السياسية والفكرية الأخرى، إما كانت غير مهتمة بالموضوع أو انتهازية لا تريد أن تغضب الانفصاليين، بعد أن أصبحوا يديرون الدولة.
والآن، وبعد مرور 11 عاما على نشر هذه الدراسة أجد من الضروري إعادة نشرها وتوزيعها قدر الإمكان؛ لأنها توفر لليمنيين المعرفة الضرورية بأهم حق من حقوقهم المشروعة، وهو حق بقاء اليمن دولة موحدة كاملة السيادة. 
وما يعطي لهذه الدراسة أهمية خاصة في الوقت الحالي، الأوضاع المهترئة في اليمن، والإحساس الخاطئ الذي تملك معظم اليمنيين بأن الانفصال أصبح قاب قوسين أو أدنى. حيث أدى الدعم الكبير الذي يحصل عليه المشروع الانفصالي، خارجيا وداخليا، والضخ الإعلامي الكبير المدفوع، والسكوت المخزي من قبل المعنيين، أكانوا ساسة أو مثقفين؛ إلى خلق ذلك الإحساس. غير أن الحقيقة المغيبة، والتي توضحها هذه الدراسة، أن الانفصال غير ممكن قانونيا، حتى في حال حاول العالم الخارجي صنعه، لأنه يصبح غير شرعي ومن حق اليمنيين مقاومته، اليوم أو غدا أو بعد مائة عام، بكل السبل بما فيها القوة.
هناك من سيقول بأن موقف القانون الدولي غير مهم وأن إرادة العالم الخارجي المحكومة بالمصالح هي الأساس، وأقول لهؤلاء هذا الكلام غير صحيح بالمطلق؛ فتفكيك دولة وتأسيس دول على أنقاضها أمرا مرفوضا في عالم اليوم، ليس لأن له قيمة قانونية/أخلاقية، بل لأنه ضرورة وجودية لبقاء النظام الدولي نفسه. فهذا النظام يقوم على مبدأ وحدة وسلامة أراضي جميع الدول، وفي حال تم التخلي عن هذا المبدأ ينهار النظام الدولي القائم، فكل دول العالم تقريبا ستكون عرضة للتفكك، إذا ما أصبح من حق أي منطقة أو جماعة الانفصال تحت أي مبرر، خاصة إذا ما وجدت داعم خارجي يساعدها على ذلك.
وما يؤكد النتيجة التي ذكرتها، أن غياب الشرعية القانونية للانفصال هي السبب الأساسي الذي منع الانفصال من أن يصبح حقيقة واقعة. فلو كان هناك أساس شرعي للانفصال، مهما كان ضئيلا، لتم الانفصال من قبل عدة سنوات، وتحديدا منذ بداية الحرب. فكلنا نعرف الرغبة الخارجية الجامحة للانفصال، والدعم الضخم الذي يقوم به لدعم الانفصال، والسكوت المخزي للطبقة السياسية والفكرية تجاه الانفصال، وتبني الكثير منهم لهذا المشروع أو تماهيهم معه، ومع ذلك لا زالت الجمهورية اليمنية هي الكيان القانوني الوحيد الذي يعترف به العالم. 
أن أهمية هذه الدراسة تكمن في أنها توضح لليمنيين أن لديهم حق قانوني أصيل في بقاء دولتهم واحدة موحدة إلى الأبد، وأن لا أحد يمكنه سلبهم هذا الحق، لا الجيران ولا جامعة الدول العربية ولا حتى مجلس الأمن الدولي.
كما أن هذه الدراسة تؤكد على أن مشروع الانفصال غير قانوني وفقا للقانون الدولي لأنه عبارة عن انفصال من جانب وأحد. وتوضح الدراسة استحالة الانفصال القانوني للمحافظات الجنوبية، لأنه يتطلب تغيير الدستور الحالي عبر استفتاء شعبي حر لجميع اليمنيين، يتم فيه إدراج نص يجيز لسكان هذه المحافظات الإستفتاء على تقرير مصير محافظاتهم. غير أن نص من هذا القبيل، يعني عمليا إنهاء الدولة اليمنية الحالية، وقيام دولتين وربما أكثر على أنقاضها. وهذا أمر لا يتخيل حدوثه؛ فلا يمكن أن تؤيد غالبية اليمنيين بكل بساطة إنهاء دولتهم وتفكيكها، نزولا عند رغبة الطامع الأجنبي، والمرتزق المحلي.
فواقع اليمن التاريخي والثقافي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي لا يشبه واقع السودان الذي تم فصل جنوبه عن طريق هذه الآلية، حين تم تغيير الدستور، ووضع بند سمح لسكان جنوب السودان بالاستفتاء على تقرير مصيرهم، عبر استفتاء عام وفق اتفاقيات نيفاشا.
أن أهمية هذه الدراسة أنها تكشف ضعف المشروع الانفصالي وعدم قانونيته، فهذا المشروع يفتقر لأهم عناصر قوته، وهي الحجة القانونية، وبالتالي فإن الدعوة للانفصال دعوة باطلة قانونا، وتشبه غياب "البصيرة" لمن يدعي ملكية أرض أو عقار. وبما أن الأمر على هذا النحو؛ فعلى جميع اليمنيين أن يثقوا بقوة قضية بقاء اليمن دولة واحدة.
وهذه الثقة لا تعني الصمت والركون إلى قوة القانون وحدها؛ فهذا المشروع رغم بطلانه وعدم شرعيته إلا أنه حقق بعض المكاسب الجزئية والتكتيكية، منذ 11 عاما على الأقل. ويرجع السبب في ذلك إلى أنه تمدد في فراغ ودون أي مقاومة من الطبقة السياسية والفكرية، وتم دعمه ماليا وعسكريا وسياسيا من أطراف خارجية وداخلية، بالتزامن مع ضخ إعلامي كثيف. ولهذا يجب رفع الصوت عاليا ضد المشروع الانفصالي، وإنهاء حالة الفراغ. 
والخطوة الأولى لمقاومة المشروع الانفصالي تتمثل في تعريف اليمنيين بقوة حجتهم القانونية وزيف دعاوى الانفصال وبطلانه. ولا أبالغ إذا قلت بأن هذه الدراسة تفي بالغرض. 
إن ثقة اليمنيين بشرعية بقاء اليمن دولة واحدة، وبطلان المشروع الانفصالي، يجعلهم في موقف أقوى أمام القوى الانفصالية والدول الداعمة لها. فهذه الثقة تمنحهم مناعة ضد الابتزاز الذي مارسه الانفصاليون، منذ فترة طويلة، وتحصلوا من ورائه على مكاسب مادية ومناصب حكومية لا يستحقونها، إضافة إلى أموال مدنسة من الخارج. كما أنها تمنح اليمنيين الشرعية الحقة لمحاربة المشروع الانفصالي بكل الوسائل بما في ذلك القوة، كما تعمل كل دول العالم مع كل من يحاول تقسيمها بوسائل غير شرعية.
منذ ما بعد الوحدة تقريبا وهناك دعم ضخم للمشروع الانفصالي من قبل الخارج، وشيطنة ممنهجة للوحدة من قبل بعض القوى المحلية، كالحزب الاشتراكي، وممن يطلق عليهم مجازا مثقفي اليسار الذين يدورون في فلكه. في المقابل ومنذ 2012 توقف الجهد الرسمي والحزبي والفكري، وتحديدا المنظم، الداعم لبقاء اليمن دولة واحدة موحدة. 
ومع ذلك لم يحدث الانفصال؛ لأنه كما قلنا غير شرعي وغير قانوني؛ فالدعاية المكثفة التي تقوم على الأباطيل، قد تكسب لبعض الوقت وتخدع بعض الناس لكنها لن تكسب كل الوقت وتخدع كل الناس. فقد منح الدعم الضخم المشروع الانفصالي ضجة واسعة وصوت عالي، إلا أنه لم يمنحه الشرعية والحق. فالجهود التي بذلت وتبذل لتسويق المشروع الانفصالي، ارتكزت على الكذب والزيف، ورغم ضخامة تلك الجهود، إلا أنها أشبه ما تكون بعملية نفخ في بالون يسهل تفجيره بجهود متواضعة وبأقل الإمكانيات. فالدولار الذي قد يبذل لإيضاح الحقيقة وكشف زيف المشروع الانفصالي، أكثر قوة وتأثيرا من ألف دولار مخصص لنشر الأكاذيب، ليس لقوة الحجة فقط ولكن لأنه أكثر أخلاقية وقيمة.       
ولكون مشروع بقاء اليمن دولة واحدة كاملة السيادة يتعارض مع أهداف الدول المتدخلة في اليمن، ويتعارض أيضا مع مصالح وأهداف القوى المحلية التابعة لهذه الدول؛ فإن هذا الدولار لم يبذل حتى الآن، في مقابل المليارات التي تصرف لتسويق المشروع الانفصالي.
ومع ذلك؛ هناك الكثير من العمل الذي يمكن القيام به، من قبل من له مصلحة في استعادة الدولة اليمنية الموحدة كاملة السيادة، وهم الغالبية الساحقة من الشعب اليمني. ومن ذلك المساهمة في التصدي للمشروع الانفصالي بجهود ذاتية. وأحد هذه المساهمات نشر وتوزيع هذه الدراسة كي تصل إلى أكبر عدد ممكن من اليمنيين وغير اليمنيين، وهذا أضعف الإيمان كما يقال.
رابط الدراسة في موقع المصدر أون لاين الذي نشرها أول مرة
https://almasdaronline.com/article/32828