احمد عبدالملك المقرمي

احمد عبدالملك المقرمي

حضارة القوة

2023-01-19 الساعة 06:35

   يتسابق العالم تسابقا محموما نحو امتلاك القوة ، حيث  تسعى كل دولة من كبريات الدول للتفرد بامتلاك أدوات القوة دون غيرها ، حتى ولو كان على حساب أقرب حليف من حلفائها، فالقوة هي السلطة التي تمكنها من مد هيمنتها و بسط نفوذها، بل وفرض إرادتها.

 

   والقوة المقصودة لدى كل منها - هنا - هي القوة العسكرية ؛ والعسكرية أولاً ! هذا ما يقوله عالم اليوم، واقعا ولسان حال. صحيح أن القوة الاقتصادية هي الوجه الآخر الذي لا بد من أن يكون حاضرا إلى جانب القوة العسكرية؛ لكن في عالم اليوم تبقى القوة العسكرية هي الأساس ، ففي أخلاقيات، وسلوك هذا العالم ؛ قد لا تأمن، ولا تعيش القوة الاقتصادية - بمقياس حضارة التنمر والقوة - بينما ستأمن،  وستعيش القوة العسكرية ؛ بمعنى أن من سيتحكم بالآخر هو من يمتلك القوة التدميرية، لا الأخلاقية، و لا الاقتصادية..!!

 

      تعدو الذئاب على من لا أسود له

      و تتقي صولة المستأسد الضاري

 

   في العصر الاستعماري، لم تتمدد عاصمة يحجبها الضباب - لندن- على حساب العالم- لتصبح- يوما - الدولة التي لا تغيب عنها الشمس- بحضارة إنسانية،  و لكنها تمددت بقوة عسكرية مضت تغزو بها كل بلد ، وراحت تنافسها- توحشا و استعمارا- فرنسا لتشكلا -كقوتين عسكريتين استعماريتين- نظاما عالميا لحقبة طويلة من الزمن، و امتلكتا قوة اقتصادية- مغصوبة- بقواعدهما العسكرية على حساب كثير من شعوب الأرض.

 

   اليوم، تَصْلَى الإنسانيّة بسعير الحروب، و أكثر ما يُتباكى عليه - نفاقا- الإنسانيّة..!!

 

   في هذا العالم- الذي يتدثر بقناع الإنسانية زورا،  و هو يمتهنها في كل وقت - لا يمكن للمركز المالي أن يهزم دبابة الغزو العسكري، و لا يمكن لأبراج اقتصادية يناطح علوها السحاب أن يُنْزل الهزيمة بطائرة مسيرة لا تساوي قيمتها نصف قيمة مستلزمات مرحاض في ذلك البرج.

 

   المال ؛ أو القوة الاقتصادية التي لا تهتدي لحماية عناصر قوتها ، و سيادة بلدها، وحماية نفسها، تصبح محل ابتزاز، و تغدو غنيمة مستباحة في ظل حضارة القوة التي تمتلك الدبابة الغازية، والطائرة المسيرة، وتفتقر لأبسط قيم الإنسانية، أو المسؤولية الأخلاقية..!!

 

   وحدها الشعوب التي تستعصي على دبابات الغزو،  وعلى الطائرة المسيرة ،  مهما طال الزمن،ومهما ظن الطغيان أنه قد بسط هيمنته، ورسخ اقدامه، ولنا في مصائر دول الاستعمار عبرة وعظة، و حجة بالغة.

 

    إن على عالمنا العربي- المترامي الأطراف، المتموضع على أهم المواقع، المالك لكثير من الأوراق الفاعلة- أن يستدرك أمره، و أن يعي الواقع المتسارع في التغَيُّر؛ فيعمل بوتيرة أكثر تسارعا لامتلاك ما يحمي حياضه وكرامته وسيادته.

 

   إن الوصول لامتلاك القوة ليس ممتَنَعا على أحد ، ما دام يمتلك إرادة و همة « وكُلًّا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محضورا».

 

   إن استثمار المال حقا هو استثماره في بناء الشعوب، و هي الطريقة المثلى لامتلاك القوة وتحقيق التحولات التنموية بمختلف مجالاتها. فالقوة لا تُصنع في محيط الجهل، ولا في غياب الحرية، ذلك ان الاستبداد يصنع عبيدا، و بالتالي فإن العبيد لا يحسنون صناعة القوة، و قد قالها عنترة- لأبيه -مبكرا عندما أوشكت قبيلته عبس على الانهزام أمام الغزاة،  فناداه أبوه :  كر يا عنترة !  فرد عليه : العبد لا يحسن الكر ، و إنما يحسن الحلب والصّرْ ! فقال له كر و أنت حر ، فكان أن كر و هو حر ، وقلب المعادلة لمسار المعركة، و انهزم الغزاة.

 

   لا يمكن لأية قيادة أن تصنع التحولات في بلدها بعيدة عن الشعب ودون أن يكون الشعب هو الرافع و الحامل لهذه التحولات المنشودة، والأهداف السامية. وقبل أن تستعصي بعدئذ هذه القيادة أو الدولة بقوتها التي بنتها،  تكون قد استعصت- أولاً- بشعبها الذي يكر و هو حر.

 

   لكن المؤسف أن عنترة في زمننا وعالمنا العربي مايزال في قفص الاتهام، ومايزال يسعى جاهدا في الترويج للحرية، من أجل أن يكر للعمل و البناء في كل مجال.

   فهل يسمع شداد لعنترة..!؟