عبدالناصر المودع

عبدالناصر المودع

رسالة للسعودية والإمارات؛ يا ساعدتم العليمي ليكون ديجول أو انتظروا الكارثة

2022-08-11 الساعة 15:36

 

حين شنت السعودية والإمارات الحرب في اليمن؛ أيدت الغالبية العظمى من اليمنيين هذه الحرب. وكان الاعتقاد حينها بأن الحرب ستكون قصيرة ونوعية وستستهدف الحوثيين فقط، وسترافقها خطوات باتجاه دمج اليمن في محيطه الخليجي الغني، من قبيل منح اليمنيين امتيازات خاصة في دول الخليج، وستقوم هذه الدول بمنح اليمن مساعدات ضخمة لتحسين معيشتهم. وانتظر معظم اليمنيين، باستثناء قلة صغيرة من الانفصاليين وتجار الحرب والحوثيين، بأن تنتهي الحرب باستعادة دولتهم وهزيمة الحوثي، وهو الهدف التي أعلنت عنه هذه الدول حين شنتها.

ولكن ما حدث كان مختلفا تماما؛ فقد تم التضييق على اليمنيين في دول الخليج وتم استهداف البنية التحتية وتعطيل معظم النشاط الاقتصادي، وحُرم الملايين من مصادر الدخل. وتحول اليمن إلى الدولة الأكثر فشلا في العالم، وأكبر مأساة إنسانية في العالم. ليس هذا فحسب؛ فقد تم بشكل منهجي تدمير أسس الدولة، مثل تدمير الجيش اليمني، ومنع قيام سلطة يمنية حقيقية، وتشكيل جيش وطني بديل، وتعطيل موارد الدولة الأساسية والتحكم بها. وتم بشكل منهجي تقوية القوى الانفصالية، وبعض المليشيات الجهوية، والحزبية.

ومع ذلك؛ لا زال هناك شريحة من اليمنيين لديها بصيص أمل بأن السعودية جادة في محاربة الحوثيين ومساعدتهم على استعادة دولتهم. وقد تصاعد هذا الأمل بعد أن أزاحت السعودية الرئيس السابق هادي، واستقدمت الدكتور رشاد العليمي. ولكن يبدو أن هذا الأمل في طريقه للزوال بعد أن ثبت بأن الهدف هو ترسيخ المشروع الانفصالي. بعد أن أصبح الانفصاليون متحكمين في السلطة التي شكلتها السعودية والإمارات.

ولن يمر وقت طويل حتى يصل معظم اليمنيون إلى قناعة مفادها أن الهدف المخفي من هذه الحرب كان تدمير الدولة اليمنية وتقسيمها، باستخدام اليمن، بارضه وسكانه، كروت للمساومة وأداة للنفوذ والهيمنة من قبل السعودية والإمارات. وبغض النظر إن كانت نوايا السعودية مخالفة لهذا الاستنتاج فإن الواقع على الأرض يرسخ هذه القناعة ولا يدع مجالا للشك بعكسها. وحين تترسخ هذه القناعة؛ فإن على السعودية تحديدا، وكذلك الإمارات، أن تتوقع غضب يمني عارم ضدهم سيستثمره الحوثيين ومن ورأهم إيران.

أن الغضب اليمني هو في حالة كمون، ولا زال في القمقم ولو كانت السعودية تمتلك قدرا يسيرا من البصيرة والحكمة لتداركت الأمر، وابقته في القمم وصرفته باتجاه إيران والحوثيين بدلا من أن يتجه صوبها. لأنه حين يتجه صوبها فإنها ستفتح على نفسها أبواب شر يصعب إغلاقها، فلن تقتصر مطالب اليمنيين على التخفيف من واقعهم المزري، ولكنهم سيرفعون سقف مطالبهم، وسيشمل ذلك أن تتحمل السعودية والإمارات مسؤولية الخسائر البشرية والمادية التي نتجت عن الحرب، وإنشاء صندوق تعويضات شبيه بصندوق التعويضات الذي فرض على العراق بعد غزوه الكويت.

وفي هذا الشأن على السعودية أن تدرك أن هذه المطالب يدعمها القانون الدولي والسوابق التاريخية. فوفقا للقانون الدولي؛ فإن أي تدخل عسكري يهدف إلى تقسيم الدولة يصبح عمل غير مشروع وتتحمل الدول المتدخلة مسؤولية التعويض عن كل الخسائر الناتجة عن الحرب، ولكم أن تتخيلوا حجم مبلغ التعويض لأكثر من 300 ألف قتيل واضعافهم من الجرحى.

على الحكومة السعودية والإماراتية أن تدركا بأن قيامهم بتقسيم اليمن، كما هو مخطط له، ستكون الشرارة التي تطلق الغضب اليمني، وهذا الغضب لن يكون عقلاني وسيتلقفه الحوثي، ومن ورائه إيران، حيث سيظهر الحوثي بصفته المخلص وحامي الحمى والمدافع عن وحدة الدولة والقادر على إجبار السعودية والإمارات على الخروج من اليمن ودفع التعويضات عن حربهم. وحينها لن ينفعهم المرتزقة فهؤلاء سيفرون على أقرب طائرة كما عمل حكام أفغانستان، ومن قبلهم حكام فيتنام الجنوبية.

على السعودية والإمارات أن تدركا بأن الحرب كانت حربهم فمن دشنها وتحكم بمجرياتها ورسم خططها كانت السعودية والإمارات وما اليمنيين سوى أدوات لهم. وبما أن الأمر على ذلك النحو فإن هذه الحرب لا تحمل طابع الحرب الدفاعية العادلة لا في أسبابها ولا في مخرجاتها التي دمرت الدولة اليمنية.

أن موضوع وحدة اليمن أمر عزيز لدى اليمنيين وعلى السعوديين والإماراتيين أن لا يركنوا لدعايات الانفصاليين أو صمت السياسيين الذين لا يصارحوهم بهذه الحقيقة، وستظهر مشاعر اليمنيين الحقيقة تجاه وحدة بلدهم حين تبدأ الدولتين بخطوت فعلية لتقسيم اليمن. وبعد أن يصبح الحوثي هو من يحارب من أجل الوحدة، أو أية قوة أخرى قد يظهرها الزمن. ولهذا الحكمة تقتضي ألا يستهتروا بهذه القضية وينظروا كيف يرفض العالم بمحاولة روسيا تقسيم أوكرانيا، رغم أن هناك بعض الأسانيد التاريخية الروسية التي تجعلها تتصرف على ذلك النحو. فيما خطط السعودية والإمارات لتقسيم اليمن من وجهة نظر الغالبية العظمى من اليمنيين والعالم ليس لها أي مبرر وتبدو عمل من أعمال العبث ليس إلا.

وقبل أن تقع الكارثة سارسم للسعودية والإمارات خارطة طريق أتمنى بكل صدق أن يفكروا فيها:

عليكم أن تعملوا مراجعة جذرية لأهدافكم من الحرب، والتراجع عن النهج الذي تم.

التراجع بشكل كامل عن دعم إي مشاريع انفصالية لأن هذا الأمر يفقد حربكم أي مشروعة كما أنه ليس له إي أفق حقيقي؛ فتقسيم الدول أصبح من الماضي، وهو باب شر وفوضى لا نهائية. ولهذا على السعودية تحديدا أن تعلن بكل صراحة بأنها ضد إي حركة انفصالية وأنها مع وحدة وسيادة اليمن. وينبغي أن تقوم الإمارات بنفس الخطوة.

مساعدة رشاد العليمي بأن يكون شبيه بالجنرال ديجول، بدلا من محاولتكم لجعله نسخة مكررة من هادي ومعين عبدالملك. وهذا يعني منحه الاستقلالية والسلطة الكافية لينشي مؤسسات دولة وتحديدا المؤسسات الخشنة

عندما يصبح العليمي، رئيس فعلي وحقيقي لليمن، سيمنحه معظم اليمنيين الشرعية، وستفتح نافذة أمل أصبحت مسدودة بفعل سلوككم. أما تحوله إلى نسخة مكررة من "الدنبوع" فإنه سيفقد الاحترام والثقة ويتحول إلى أضحوكة

الرئيس العليمي هو افضل خيار لكم ولليمنيين في الوقت الحالي؛ فهو شخصية لها باع طويل في السياسة ويمتلك من الخبرة والكفاءة الذاتية ما يمكنه من أن يتولى مسؤولية إستعادة الدولة في اليمن. وهو كما تعرفونه جيدا لا ينتمي إلى أي تيارات أصولية، ومن المؤمنين بضرورة العلاقات المتينة معكم.

عليكم أن تدركوا أن اليمن المفكك والذي أوصلته سياساتكم السابقة والحالية، هو ثقب أسود لكم، ونافذة شر مفتوحة تجاهكم.

ليس المطلوب منكم كما يطالبكم العالم بالتوقف عن الحرب؛ وإنما عليكم أن تخوضوا الحرب بطريقة أخرى أهم ما فيها أن من سيقوم بها هي قيادة يمنية تتمتع بالشرعية والفاعلية، وتتحمل مسؤولية الحرب أمام العالم وأمام اليمنيين.

مكنوا العليمي من أن يدير الدولة بالطريقة التي يراها مناسبة بما في ذلك خلق التحالفات الضرورية التكتيكية والاستراتيجية مع كل القوى المؤمنة بعودة اليمن دولة واحدة مستقرة ذات سيادة.

ينبغي أن تخصصوا ميزانية حقيقية للعليمي كي يمتلك السلطة والفعالية ليحل المشاكل الاقتصادية الملحة، كما يجب عليكم أن تمكنوه من جميع الموارد اليمنية المتاحة، والممكنة. وفي هذا الشأن فإن المبلغ الضروري لتأسيس سلطة حقيقية في اليمن ينبغي ألا يقل عن 5 مليارات دولار في السنة، وهذا المبلغ ضئيل قياسا بفوائده الكبيرة عليكم.

ينبغي أن يتوقف الدعم لجميع القوى وتحديدا الانفصاليين، وأن يتم حصر المساعدات بسلطة العليمي فقط ليصبح له السيطرة الفعلية على جميع القوات.

عليكم أن تتعاملوا مع العليمي وسلطته كما تعامل الغرب مع رئيس أوكرانيا

أن أول عمل يجب عليكم القيام به هو توفير منطقة لتكون عاصمة حقيقية للعليمي كمدينة سيئون أو المكلاء.

من مصلحة اليمن أن يكون له علاقات شراكة معكم لأنكم جيرانة وعمقة الثقافي والاقتصادي، وتملكون ثروات ضخمة يمكن أن يستفيد من جزء منها.

عليكم أن تدركوا أن اليمن الفقير الغارق في الفوضى هو قنبلة سكانية لن تسيطروا عليها، فاليمن يتضاعف سكانه  كل 23 عاما أي أنكم ستجدون دولة تفوق الستين مليون في عام 2040.

أنني ناصح أمين لكم؛ فبالنسبة لي ولمعظم اليمنيين فإن حكم الحوثي ومن ورائه إيران هو أسوأ كابوس على اليمن، ولكنكم بسلوككم الحالي تدفعون معظم اليمنيين للذهاب للحوثي بعد أن اغلقتم كل الأبواب.