عبدالعزيز نايف

عبدالعزيز نايف

ومضة عين

2021-05-14 الساعة 11:08

لا أريد هنا أن أذكر أسماءً بعينها، أو أنتقي منها ما يقع عليه الخاطر، أو يحضر الذهن، ولكن يمكن القول: إن جميع الأعمال الرمضانية التلفزيونية من مسلسلات وبرامج... في الفضائيات اليمنية لم تستطع الخروج من نفق السطحية ووطأة التقليد، إلى فضاءات الإبداع والابتكار الرحبة والسامقة، فهي ـ دون استثناء ـ إما سطحية في أفكارها ومحتواها أو مُقَلِّدة من الفكرة إلى الختام.
دائماً ما يأتي شهر رمضان من كل وعامٍ، والمشاهد اليمني على أبواب الفضائيات بعد طول انتظار يأمل أن تفتح له عن أعمال جديدة تكون بمستوى الثقة والتقدير، بل يعكف أمام شاشاتها علَّهُ يشاهد فيها ما يستحق الاحترام، وفي الأخير يجد أن مجمل تلك الأعمال لا تجيد أو بالأصح لا يجيد أصحابها غير السطحية سوى الاستنساخ أو النحت أو الأخذ ـ لا أريد أن أقول السرقة ـ سواءً على مستوى العناوين والتسميات أو على مستوى الأفكار والمضامين، بل حتى على مستوى الخلفيات والمؤثرات السمعية، وذلك من أعمال عربية أو أجنبية أو حتى من بعضها الآخر المُقَلِّد أو السطحي في نفس الوقت، فهو الآخر لم يخلع عن نفسه عباءة التقليد أو السطحية، لذلك تطلع هذه الأعمال على المشاهد اليمني ـ ولا أعتقد أن هناك مشاهد غير يمني ـ بصورة شاحبة باهتة الملامح، غير قادرة على الإقناع، أو حتى انتزاع إعجاب المشاهد الواعي، كما تفعل في انتزاع كيانات لها من الكيانات الأخرى.
إنها كيانات تلفزيونية خالية من الخلق الفني الواعي والمستقل، ولا يد فيها للمعالجة الدرامية التي تتجاوز الظرفية الزمانكية أو على الأقل توظفها لخطاب الأفق الإنساني وتقديم رسالة إنسانية سامية، وقيمة فنية جمالية.

ولنا هنا أن نتساءل: أي قيمة فنية لهذه الأعمال التي لا تستطيع إعادة إنتاج نفسها ضمن إطارها الفني والدرامي المستقل المستوحى من خلفية مجتمعية خاصة، والمنبثق من محتوى وعيٍ راسخٍ لا يتأثر برياح التقليد، ولا ينزلق في وحل السطحية؟! وماذا يمكن أن نقول عنها من منظار النقد والتقييم؟! وإلى ماذا ومن نعزي هذا السقوط المؤسف؟!.
هل غياب النقد التلفزيوني ـ وأعني نقاد الدراما والبرامج ونحوها ـ هو السبب الذي يقف وراء هذه الأعمال الهابطة والواقعة في حب السطحية والتقليد؟! أم أن غياب الكُتَّاب قد أسهم في تفشِّي ظاهرة التقليد والسطحية في هذا المجال؟! ولكن ما أكثر كُتَّاب النص والمحتوى والأعمال الدرامية وأيضاً البرامج، وما أكثر الأعمال القصصية والروائية التي تقف في محطة الانتظار رغبةً في رحلة البحث عمَّن يترجمها بلغة الدراما والصورة الحية.

أم أن مستوى الوعي المتدني لدى المشاهد قدم لهؤلاء المتسلقين فرصة للاسترزاق، ولو على حساب المهنية وصورة البرامج والدراما اليمنية في عيون الآخر، والتي ـ للأسف الشديد ـ قدَّمها هؤلاء في أسوأ ما يمكن؟! أم أن منتجي ومنفذي هذه الأعمال والقائمين عليها ـ سواءً مؤسساتٍ أوأفراداً ـ هم من أحدث هذه الفوضى الفنية، وهم من مَهَّدَ لهذا الانحدار المُخْزِي، كون هؤلاء ـ إلا من رحم ربي وهم في حكم النادر الذي يكاد لا يُرَى بالعين المجردة ـ لا يتمتعون بأي ضمير مهني أو التزام أخلاقي، فالعائد المادي هو معبودهم الأول والأخير؟!
أم هي تلك الفضائيات التي لا تعتمد أي معايير مهنية وأخلاقية، ولا تحاول ـ حتى مجرد محاولة ـ الارتقاء بموادها وبرامجها، ولا تحترم نفسها ومشاهديها، وإنما تقبل الغثَّ والسمين، وترضى المتردية والنطيحة وما أكل السبع، في سبيل المردود المادي؟! أو لأن هذا البرنامج أو ذاك المسلسل يوافق ويخدم إيديولوجياتها وتوجهاتها السياسية؟! أم أن كل هذه الأمور مجتمعة هي من أوجدت هذا الواقع البرامجي والدرامي التلفزيوني المُسِيء إلى الشاشة اليمنية قبل أن يُسِيء إلى أهله وذويه؟!.