محمد دبوان المياحي

محمد دبوان المياحي

الطريق إلى الساحل

2020-12-12 الساعة 16:37

مرت سبع سنوات منذ أخر مرة زرت فيها البحر، سبع سنوات كثيرة يا صاحبي، هي عمر الحرب وتزيد قليلًا، في 2013 كانت أخر مرة مشيت حافيًّا على رمال سواحل المخا، وأتساءل اليوم، هل يمكنني زيارتها، وأعود ظافرًا وقد أمنِت على حياتي. 

إلى أين ستذهب يا ولدي..؟ 
بحارنا اليوم لم تعد صديقة لنا، لم يحدث أن غدر بنا البحر، لكن الخصوم فعلوا ذلك، صارت سواحلنا مفخخة بالألغام، عيون الرقباء تطوقها من كل مكان ومجنزرات الخصوم والأعداء تبسط سيطرتها عليها، هكذا صادر الأنذال أخر ملاذاتنا، فصرنا غرباء في بلادنا، نتحدث عن سواحلها كأننا نتحدث عن دولة أخرى، ولا ندري من أين  الطريق إليها. 

يحتاج الإنسان بين الفترة والأخرى أن يحرر روحه بالسفر نحو سواحل مفتوحة، فضاء ممتد، يمنحك البحر إحساسًا بالندية، تقف أمامه وجهًا لوجه، وترتب عالمك الداخلي في حضرة هذا الأزرق، اللانهائي، الكبير..هناك تسترد روحك عافيتها، ويتخلص جسدك من شوائب الحياة. 

كلما ذُكر البحر، تذكرتك يا درويش، تذكرت قصائد كثير كنت تمجد فيها هذا المخلوق العجيب، المخلوك الذي يحررك من الكآبة ويذكرك بعالم المطلق، بالأبد وقد تجسد في صورة محسوسة، تحاول أن تكتب الشعر، أو تستثمر صفاءك الروحي أمامه، وتكتب رسالة لحبيبتك، ثم تنتابك غصة المحتل وقد سطى على حقك بالتجوال في شواطئ بلادك فتصرخ : هذا البحر لي. 

لم تعد بحارنا مملوكة لنا يا درويش، نحن أبناء البلاد التي أكرمتها الطبيعة، البلاد التي حباها الله بأطول ساحل في شبه الجزيرة العربية، اليمن التي تعرفها يا شاعر السرو والزيتون، تلك البلاد الرابضة في الخاصرة الجنوبية لعرب الصحراء. ربما لا تصدق أن اليمني ما عادت علاقته ببحاره آمنة، ما عادت زيارته متاحة للجميع. 

من أين #الطريق_إلى_الساحل، يا درويش، من أين الطريق وكل الممرات مغلقة، مخالب الغرباء مكشرة على امتداد سواحل البلاد، وأبناءها الأصليون مختنقون في هضاب الوسط ومنحدرات الجبال العليا والسهول البعيدة. 

طوال التأريخ كان اليمني يلملم حقائب السفر وأدوات العمل ويرحل من مناطق الداخل نحو البحار، كان يفعل ذلك كلما اختنق بالتضاريس الوعره في الجغرافيا العليا للبلاد، كان البحر متنفس اليمني، ملاذه من الوحشة والكآبة وقحط الحياة، نافذته نحو العوالم المفتوحة، يهاجر عبرها، يتاجر بواسطتها، أو يبحث عن رزقه في أعماقها. 

لن أتحدث عن أهمية الساحل بمنطق الجغرافيا السياسية، أو كما يقول المختصون: الجيوسياسيا، ولا عن الخطر الذي يتهدد السواحل اليمنية في ظل أطماع الغرباء وما يحيكونه من دسائس هناك، هذا حديث يستدعي لغة مختلفة، ومساحة خاصة. 
هناك فيلم للصديق جمال المليكي Gamal Almoliky، ضمن برنامجه الجديد#المتحرّي، الفيلم بعنوان : #الطريق_إلى_الساحل، سيبث بعد غد وأظنه سيتكفل بهذه المهمة. الفيلم هو ما بعث مجددا حنيني الكبير للبحر. 

أترقب فيلمك يا جمال، ليس لأنك صديق قريب لروحي فحسب وصحفي تخوض في مجال شائك بجدارة، وهو ما يجعلك تستحق الاحتفاء والمتابعة، بل أيضًا هذه المرة؛ لأن البحر صديقنا الواحد من قبل أن نتعارف على بعضنا، البحر، صديق اليمني الأزلي، اليمني الذي اكتسب رحابته من علاقته الطويلة بعالم البحار، ولولاه ما كان اليمني بطباعه التي هو عليها الآن. فمهما اشتدت عليه المصائب وجار عليه الزمان، يظل اليمني طليقًا وسخيًّا، يقاتل الأشباح في كل مكان، ويموت قابضًا شغفه بالحياة حتى اللحظة الأخيرة، وتلك خصيصة ما كانت لتوجد بهذا العمق في نفسية اليمني لولا أنه تتلمذ عليها منذ ولد والبحر أمام ناظريه. 

ستعود إلينا بحارنا يومًا، فنحن أصحاب هذه الأرض وبيننا وبينها عقد أبدي، هي شكلتنا وأنجبتنا ونحن حراسها الأزليين، سنترقب ما سيضئيه لنا فيلم #الطريق_إلى_الساحل، ليس لكوننا نجهل غرمائنا؛ لكننا بحاجة أن نواجه دسائسهم بالحقائق، لا يكفي معرفتنا بهويتهم ولا حبنا لسواحلنا؛ كي نستعيد علاقتنا بأرض البحار المستلبة.

الحب دافعنا للتشبث بالبحر، الحب والشعر، الكرامة والسيادة ومصادر العيش، هذه دوافعنا والحقيقة سندنا للمرافعة. نتمنى أن يُرتب لنا الفيلم الصورة بشكل جيد، ما الذي يجري على سواحلك يا يمن، وكيف يحدث كل ذلك، من الفاعل والمفعول..؟ وحين تتضح الصورة، سنواجه الخصم بالحجة ونصرح في وجوههم: غادروا سواحلنا، تلك حقيقتكم مكشوفه، البحر، يلفظكم كما البر، وعلى امتداد البلاد، يقف اليمني جريح ومتعب، يغني، ويكتب القصيدة ويحرس شرف بلاده من اللصوص وسماسرة الأوطان.