د.عادل الشجاع

د.عادل الشجاع

اليمن بين فكي المليشيات والنخب السياسية

2020-08-17 الساعة 17:26

تحولت اليمن إلى ساحة عراك محلي وإقليمي ، يبدو أنه سيطول ولن ينتهي إلا بانتهاء اليمن ذاتها ، فالصراع القائم تديره جهات ذات مصالح تحاول تكريس الخصومة والفرقة والتطرف من منطلق رسم الخرائط الجديدة ومحو التاريخ ، فقد وجدت اليمن نفسها أمام مليشيا خارجة للتو من كهوف الأيديولوجيا الممزوجة بالجهل وأخرى تدحرجت من أقصى يسار الطيف السياسي مجردة من الأسس الفكرية ، عدا استعادة خطاب تحريضي يمتطي مطالب الناس ، بينما النخب السياسية حاولت أن تتسلق على ظهر هذه المليشيات وتسايرها وتتبنى شعاراتها .

 

لا يوجد مشروع وطني لدى هذه النخب وليس لديها مطالب سياسية ولا مجتمعية ولا حتى أهداف عقلانية ، وقواعدها وجدت نفسها منساقة في شتائم يومية تطال الموتى والأحياء ، بما يناقض الموروث الأخلاقي عند اليمنيين وانساقت وراء تعصب أعمى أدى إلى استباحة الوطن دولة وشعبا .

 

اتضح جليا أن تلك النخب مصنعة في الخارج والبعض منها أعيد تصنيعها على عجل في الخارج أيضا ، فظهرت متخبطة في شعاراتها الأيدولوجية توقظ الأحقاد القديمة مرتهنة من أعلى رأسها إلى أخمص قدميها مناقضة ل٥٨ عاما من الاستقلال الوطني .

 

لم تستطع هذه النخب توفير البديل الوطني لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، لذلك عبرت عن تطلعاتها بدلا من تطلعات الشعب اليمني لأنها لا تملك ثوابت وطنية كما قلنا ولهذا قدمت نفسها على أنها في مواجهة الحوثي ، لكنها أظهرت أنها مليئة بكل التناقضات وكل الفاسدين والمتسلقين والضالين والمتآمرين لتؤكد للجميع أنها نخب طفيلية لا ترتكز على فكر وطني .

 

سقطت هذه النخب بالتبعية والارتهان أو بمعنى أصح كانت ساقطة والحرب هي التي عرتها وأظهرت وجهها الطائفي والمناطقي ورهانها على حرق مركب الوطن والوصول باليمن إلى بيئة ممزقة ومخربة .

 

سقطت هذه النخب بيد الاستعمار القديم والحديث وتماهت مع الإمامة الكهنوتية ، فصار لزاما على اليمني أن يعطل عقله ليقنع نفسه أن الجمهورية ستحميها الإمامة وأن الاستقلال سيحميه الاستعمار وأن الديمقراطية وحقوق الإنسان ستحميها أكثر الدول تخلفا فيهما .

 

أقول بكل وضوح ، إن اليمنيين يشعرون بالمهانة الوطنية خاصة وهم يرون نخبهم تساق كالقطعان وتعلف كالدواجن ، نخب مراهقة وطفيلية ، سطحية التفكير انفعالية حاقدة ومرتهنة متصادمة مع تطلعات الشعب اليمني الحقيقية .

 

استعارت هذه المليشيات ومعها النخب السياسية كل ثياب الحرب والمؤامرة للقضاء على الدولة ، وتفتيت كيانها الجغرافي والتاريخي والمجتمعي وكشفت هذه النخب عن عوراتها وسوءاتها الكثيرة وهي تتمسك بمناطق جغرافية تتواجد فيها وتتمنى زوال مناطق جغرافية أخرى يتواجد فيها آخرون وكأنها ليست من اليمن .

 

وبالرغم من كل هذا فإن الشعب اليمني لا يزال متمسك بثوابته وأرضه ومن داخله يتشكل تيار وطني الواقعية السياسية تفكيره وحقوق الشعب المستقبلية مطلبه ، هدفه الفرص المتساوية لأبناء الشعب اليمني وعدالة الحقوق والواجبات المرتكزة على المشروع القومي الحضاري ، تيار وطني متسامح مع ماضيه لأجل بناء المستقبل ، يرفض النبش في أحقاد الماضي الشخصية والطائفية والمناطقية التي ستغرق الجميع بسيل من الدماء إذا فتحت .

 

نحن أمام تيار وطني يولد من رحم المعاناة فاتحا ذراعيه لكل من يؤمن بالجمهورية كحامل سياسي لثورة السادس والعشرين من سبتمبر والوحدة اليمنية كلبنة أولى على طريق الوحدة العربية ، يؤمن باليمن وطنا وبالمواطنة خيارا واحدا بعيدا عن أزمة الطائفية والمناطقية الضيقة ، يولد هذا التيار بعد أن أدرك اليمنيون أن النخب الحالية ليسوا سوى مقامرين ، وليس لديهم ما يقامرون به غير مستقبل وطنهم وشعبهم ، سيستعيد التيار الوطني القرار الذي اختطفته المليشيات والنخب السياسية في غفلة من السياسة والتاريخ وباعوه لأول مشتر .