عبدالوهاب طواف

عبدالوهاب طواف

الإسلام القادم من الغرب!

2018-06-12 الساعة 19:46

بتوفيق من الله أحييت ليلة ال 27 من رمضان في جامع  Hounslow Central Mosque  بلندن مع حوالي ألف مصلي من جميع دول العالم. جامع كبير قائم على تبرعات رواده، وبدعم جزئي من الحكومة البريطانية "الغير مسلمة". 

نظافة وترتيب وتنظيم وهدوء وسكينة ترفرف على أجواء المسجد. تلاوة وأدعية وتسبيح وتكبير وتهليل بعدة لغات؛ عبر ميكروفونات داخل أروقة وساحات المسجد، لا يصل صوتها لجيرانه، كي لا يتحول الأمر إلى إزعاج للنائم والمريض والطفل ولغير المسلم ولغير الراغب بالصلاة والقيام من المسلمين.

أجواء إيمانية شعرنا بها بين يدي مالك الملوك ورب العالمين. هناك تشعر أن الله سبحانه وتعالى هو رب العالمين لا رب قبيلة أو طائفة؛ وتشعر أن محمد بن عبدالله (صل الله عليه وسلم) هو رسول ونبي أُرسل للعالمين وليس للعرب أو لقريش أو بني هاشم أو بيت بدر الدين أو أصحاب سوق الثلوث.!

في نصف ساعة جُمعت تبرعات من  المصلين تجاوزت ال 40 ألف دولار، ستُخصص لدعم أنشطة المسجد، ولدعم الفقراء والمحتاجين خارج بريطانيا؛ لا لدعم جبهات القتل والفتن والكوارث.

في صلاة التراويح توجّه المصلين بالإبتهال والتضرع والتذلل والدعاء والمناجاة لملك الملوك، بدون وسيط من مذهب أو إمام أو وكيل أو شفيع أو مشرف أو شيخ أو آل أو طائفة أو صاحب، فقط كان هناك عبد صغير يدعو ربه الكبير، ولم نسمع دعاء بالويل والثبور والموت والخراب على أحد.

فسيفساء من البشر بِسحنّ وألسُن مختلفة، جاءوا للتواصل مع رب العالمين؛ ويلهجون بالدعاء بلغات مختلفة. لم نسمع كلمة موت وحروب وفتن ومنافقين وجهاد وكفار وأعداء وولي وإمام وعِترة و....الخ. فقط رب ورسول ودعاء للمسلمين بالهداية والصلاح. 

خارج المسجد تجد بشر مختلفين في الدين والثقافة واللون واللسان؛ ويجمعهم القانون والنظام وإحترام أديان وثقافات ومعتقدات الآخرين؛ قانون يكفل لهم حرية الخيار والأختيار. لوحة بشرية فريدة رسمها رب العالمين بإتقان.
 
الأجمل في الأمر أننا نجد أن المسلمون في الغرب أو في دول شرق آسيا يعتزون بدينهم إلى الحد الذي لا يجعلهم في موضع كِبر وغرور وتعالي وتسفيه لمعتقدات وممارسات ووطقوس غير المسلمين. في مجتمعاتنا العربية نجد أن كثير من الملتزمين بالدين قد تحولوا بدون شعور إلى جلادين لغيرهم، وصار الكِبر والتعالي الشيطاني لبيسهم بدون شعور؛ فتتحول نعمة التقيد بتعاليم الدين وضوابطه إلى نقمة لهم وللدين؛ وتنتفي مقاصد الإسلام وأهدافه النبيلة بعد تحولهم إلى سياط لجلد من يرونهم مقصرين في حب الله!. 

أن تعبد الله وتتخذ من ذلك وسيلة لقمع وتعنيف وإرهاب ضد من تعتقد أنه مقصر في واجباته الدينية وحبه لله؛ فقد تحولت إلى عنصر هادم؛ تهدم الدين وتخلخل أساسات سكينة وإستقرار المجتمع؛ وصرت منان تمنّ على الله بعبادتك له؛ وهذا أسوأ من تقصير الأخرين في شعيرة من شعائر الدين..

تجد في الغرب الكثير من الكنائس قد تحولت إلى مساجد؛ بل في مدينة صغيرة في الريف الإنجليزي توجد كنيسة وحيدة ولا يوجد بها جامع؛ فعرض المسيحيين على المسلمين مشاركتهم لنصف مبنى كنيستهم وإتخاذه مسجداً لهم؛ وصار الأذان يرفع وأجراس الكنسية تدق على مبنى واحد؛ وهذه هي الصورة الحقيقة لتعامل الناس في الدول المتقدمة والمتعلمة مع معتقدات الآخرين. 

في بريطانيا نجد أن وزير الداخلية مُسلم وعمدة لندن مُسلم؛ ونجد أن المسلمين متواجدين في كل مفاصل المملكة؛ إلا أنهم وصلوا إلى تلك المواقع لا بسبب الدين ولكن بسبب التميز والنجاح والكفاءة في العمل؛ لأن الدين بين العبد وربه.
صرت على قناعة تامة ببن الإسلام الحقيقي سيعود إلينا في قادم الأيام من الغرب؛ الإسلام المتسلح بالعلم والمعرفة والمحُصن بالنظام والقانون؛ والمبني على الصدق والمساواة وإحترام حقوق الإنسان؛ من دين وعرق ولون ولغة وثقافة؛ والمُسيج بفهم حقيقي لمقاصد الدين ومراميه؛ والمحميّ بثقافة مجتمعية متنوعة متسامحة إزاء معتقدات الأخرين.

اليوم بات الإسلام وحيداً شريداً يتيماً في مجتمعاتنا العربية بفعل التطرف المذهبي والتعصب التنفيذي للشعائر والغلو الفكري المدعوم والموجه من ملالي إيران والمذهب الشيعي الأثنى عشري، وكذلك من قِبل غلاة المتطرفين من الُسنة والسلفيين وغيرهم.

صرنا نتطاحن على قِشرة باهتة من الإسلام، وتركنا تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة حبيسة الكتب؛ ولذا صار وضعنا بائس بين الأمم.
في مجتمعاتنا صار الإسلام فقط وسيلة سهلة للوصول إلى السلطة والثروة وإستعباد عقول البسطاء لصالح فئات بسيطة أدمنت التكاثر على حقوق الناس وممتلكاتهم، والنيل من الخصوم وتجييش الأتباع.
 نحن نعيش غرباء عن ديننا الاسلامي الحقيقي؛ ونحتاج لمراجعة شاملة لمنظومة حياتنا الدنيوية وما يُعمر حياتنا الأُخروية..
عيد فطر سعيد ومبارك مقدماً..

لندن
12 يونيو 2018م