يحيى الثلايا

يحيى الثلايا

فبراير في الجوف ..

2018-02-11 الساعة 00:13


لم انتبه بداية الامر أن الألعاب النارية التي رأيتها الليلة -السبت- في الجوف تشير لاحتفاء بثورة، وظننته حفل زواج، لكن تناسقها وتعدد مواقعها ومدتها أشار بوضوح لحقيقة شعبية تضيء سواد ليل الربع الخالي وتجعله مشرقا كالصباح.
زيارتي للجوف الليلة لا علاقة لها بالاحتفالات، لكن مصادفتي لمشهد الالعاب النارية يجعل من الصعب المرور عليه دون تسجيل خواطر، علمت ايضا من مدير الثقافة في الجوف الاستاذ شرف عكة أن السلطة المحلية أوقدت شعلة فبراير الليلة في كرنفال رسمي.
شعلة الجوف لم يوقدها زعيم الجوف وفارسها المهاب امين بن علي العكيمي، فالرجل يمضي لياليه في الصحراء يوقد شعلة أخرى في وجوه واحشاء اعداء فبراير وسبتمبر، وشعلته هناك حقيقة لا كرنفال.
بعيدا عن كل الرسميات والمناصب، يقول مدير الثقافة ان إيقاد شعلة الجوف تم على يد، طفلين من أبناء الشهداء الذين رووا بدمائهم ارض الجوف،
يا الله .. اي قصص غدا اليمنيون ينسجونها، ماهو الامر والسلطة التي دفعت اناس مقصيون في الجوف ومحرومون ثم يشاهدهم العالم بهذا الادهاش، هي عظمة الامة اليمانية التي حال دون رؤيتها غبار التاريخ ونفايات البشر.
عاد بي التاريخ للوراء، في يناير 2012م وفي صنعاء اجريت حوارا نشرته صحيفة الأهالي مع رجل يماني بسيط وشامخ، كانت البلاد حينها تتجه لانتخاب المشير هادي رئيسا للجمهورية وكان ثمة من يحرص على اعاقة التغيير.
أحمد محسن نجدة، رئيس تنفيذية احزاب المشترك ورئيس الدائرة السياسية لحزب الاصلاح في الجوف، ناشد في ذاك الحوار كل المعنيين باتاحة الفرصة لأهل الجوف للمشاركة في التغيير وانجاز تطلعاتهم، انذاك أعلنت جماعة الحوثي نيتها منع الاقتراع في مناطق تسيطر عليها واستجاب لذلك الحقد جماعة صالح، إذ قررت وحدات الامن المكلفة بتأمين الانتخاب التخلي عن مهمتها وكل ذلك بغرض اعاقة انتخاب هادي.
عبر الاعلام ناشد احمد نجدة اهل الاختصاص عدم الاستماع لأعداء التغيير، معلنا استعداد ابناء الجوف حماية الانتخابات وإنجاحها وتسجيل صورة مدنية راقية خلافا لما زيفه المرجفون عن هذه الارض الغالية.
لاحقاً، قتلت جماعة الحوثي هذا الفارس الشجاع "أحمد محسن نجدة" في حربها مع اليمنيين وما اكثر رجالات الجوف الذين سيحفظ التاريخ قصص استشهادهم لأجل اليمن الجمهوري الكبير.
حين ثارت ساحات الحرية والتغيير سلميا في المدن الكبيرة، كانت الانظار تتجه نحو المحافظات القبلية والبدوية التي اعتادت السلاح وتم تصوير اهلها بصورة الوحوش والمجرمين.
ثارت الجوف سلميا وادهشت العالم، اختار رجال قبيلة دهم العريقة السلم والاعتصامات عن قناعة وواجهوا عنترة النظام ورصاص بلاطجته بترديد هتاف: سلمية سلمية، رغم ان سلاحهم فوق اكتافهم.

فكّر ظام صالح ان يلجأ للوقيعة، هربت دولته فجأة من الجوف وفر المحافظ يحيى غوبر الى صنعاء حاملا ختم الدولة متوقعا الاقتتال، سارع اهالي الجوف لحراسة المؤسسات الحكومية وممتلكات الدولة، حرسوا البنك المركزي أشهر متعاقبة لم يأخذوا من خزينته فلسا في حين ان صالح وجه غوبر بقطع مرتبات موظفي الجوف، ووجه انقلابي صعدة فارس مناع باستمرار صرف مرتبات دولة ابن رسول الله.
كان غوبر وصالح واشباههم يصورون ثوار الجوف وحوش ويفرشون لفلول الامامة خدودهم وكرامتهم حتى تم اسقاط الوطن، وفي نهاية الفيلم يظهر يحيى غوبر بجوار أبو علي الحاكم ليشهد على خطايا رفيقه ونديمه صالح ويبرر لهم مقتله في نهاية مروعة لتحالف بقايا الامام والنظام المشبوه. وحين تمكنت جماعة الحوثي من دماء صالح حليفها في التنكيل بالجوف واهلها، لم يخرج احد من هذه القبائل الكهلانية الاصيلة متشفيا او معايرا وذلك شأن الكبار.

كم في ذاكرتنا من اوجاع نقشتها الامامة بدماءنا، لكن هذه الاوجاع لا يشفيها سوى هذه النفحات اليمانية التي تظهر حين يظن اللصوص انهم اضحوا كبارا.
يحق لنا ان نفخر بفبراير كما نفخر بالجوف، وكل مناطقنا واهلنا وان لنا ان نعيد لتاريخنا الاعتبار ونمحو عنه زيف وتدليس الكهنوت.

السلام عليك يا ارض الجوف، وعلى ابنائك الاباة من قبيلة دهم الاحرار، التحية والخلود لارواح الابطال التي انطلقت من هنا ثائرة او استقرت شهيدة، السلام عليك ايتها الارض التي سكب عليها العملاق الخالد محمد محمود الزبيري روحه الدامية، واستمر على سيرته احفاده الاحرار وبينهم ارواح اقاربي الطاهرة مختار وخليل وحذيفة الثلايا.
السلام على موطن ينتمي إليها القائد عبدالله جزيلان واحمد.نجدة وابناء عافية والعبادي وكل اليمانين من ابناء سبتمبر واكتوبر وفبراير الذين اختاروا ثرى الجوف مرقدهم الاخير.