محمود ياسين

محمود ياسين

اين ذهبت مطارات العالم من ذهني؟!

2017-09-08 الساعة 00:35

 

 

 لا اعرف اين ذهبت مطارات العالم من ذهني ..؟!

كنت مزدحما على الدوام بالمحطات وبالطرقات في مدن العالم ، ومكتظا بالصدف ايضا ، تلك الصدف التي تنشأ من تواطؤ سري بين القدر والسخاء الأوروبي الحميم 

 

لطالما امضيت الليالي في نزل " موتيل " بين ولايتين أمريكيتين ولا اذكر انني تبرمت من تواضع أثاث النزل مثلا ، إذ كنت أبادل الأماكن البعيدة التي تمنحك ظلا لتكون انت ، أبادلها ذلك السخاء النفسي وتقبل طبائع الأشياء ، او لنقل انه كان احتفاء مني بالمقابل بجهد الأحلام في الاحتفاء بانسان يتسكع بلا هوية ولا ذاكرة ، ولا مهمام من ذلك النوع الذي يبقيه مهما ، فقط مكان يتوحد فيه الكائن بنوافذ لا تطل على ذاكرته وانما على صفير القطارات وهي تمنح وعودا بعوالم اضافية 

 

لم اتوتر فيما اذكر الا مرات قليلة اذ بادلت النادل شتائم انجليزية تعلمتها من ادمان افلام الغرب الأمريكي، وكلما اثقلني وجودي في صنعاء رحت اهرب لخيال قبعة مائلة لا تغرب على حافتها شمس ما ولكنها تشهد همهمات رجل يدخن في شرفة لا يمر من تحتها طقم ولا بوازيك ولا مؤجر 
الأفلام تنتهي احيانا بطريقة سحرية اذ تمنحك نصف تذكرة خرافية قضمها فنان قلق وعظيم ومنحك شطر عالمه المتخيل ، هناك حيث وقد تخطيت الأربعين لا تعود تحتاج لنظارة ارنولد شوارزنجر ولا لدراجته النارية ، ذلك انك بحاجة للغرابة واللا وظيفة وليس لأكشن من ذلك النوع الذي كان إدمانك المراهق القروي الساذج .

 

حتى انني لم اعد اصادف لوليتا مؤخرا وكأنها سئمت انتظار الفصل الأخير من روايتي وراحت تعمل في مجال الترفيه وقد تقدمت في السن ، التقدم في السن بوصفه مغادرة طوعية للسرديات والاحلام على سبيل التعب وتساقط التوقعات تباعا مع تساقط الشعر وظهور متاعب الجسد .


مؤخرا اصادف فقط جلال الصلاحي وكأنني احلم بامريكا فقط لأقاسم جلال بطولة ذلك الفيلم لرجلين في السبعينات من العمر تبقت لديهما الصداقة والفضول المشترك لاكتشاف العالم قبل الموت ، اختار دور مورجان فورمان الفنان العظيم الذي لا يبدو ان هناك ما ينقصه غير الرفقة الصامتة الذكية ، جلال لا يكف يلقي النكات ويحلم ان يمضي ايامه الاخيرة يعمل في حانة بهونولولو لينام مطمئنا انه لن يوقظه أحد .


في مشهد غير مؤثر اطلاقا ولا يبعث على الفخر ، أغادر جلال احتجاجا على الصخب السياسي المفرط لصديق يحاول في امريكا التي هربت اليها يحاول اقناعي بالحراك البرغلي ، وكأنني فقط وفي كل مرة وفي كل لحظة حرجة من حلم انما احتاج لهروب إضافي ولرفقة شخصي انا ، رفقة التخلي عن الوجوه وعن الوفاء للاصدقاء وللأمكنة . 

متوحد وشاسع ، فقط ان اكون نسخة من المحيط الهادي ، عميق وبلا ذاكرة .