سام الغباري

سام الغباري

الانحناءة الأخيرة .. أو النصر !

2017-08-22 الساعة 22:45

 

 

 

 كان "عبدربه منصور هادي" رئيسًا في صنعاء على كتاب الدستور وسُنة القانون ، فما أعجبهم الأمر فجاؤوا بمن لا يعترف بهم ولا يلقي لهم بالًا ، حمل القادم من كهف صعدة السلاح القائم على عقيدة الولاية التامة وذهب للاستيلاء على كل مرافق الدولة ومعسكراتها ومصارفها وهم مشغولون بإلقاء التهمة على "هادي" ، ابتعدوا عن القاتل خشية من رصاصاته ، وصرخوا على صاحب الدار الذي فتح الباب بحسن نية لكل الزوار رغبة في اصلاح شأن الجميع .
- اقتحم الحوثيون صنعاء ولم يجتمع "صالح" بأحد ليردعهم ، بل استخدم هاتف "علي معوضة" لتثبيط همم مشايخ "حاشد" في إفساح الطريق لحلفاءه الحوثيين ، لم يدعُ الى الاحتشاد في يوم كان مقداره ستون سنة يدافع فيه عن صنعاء كما يأمل اليوم حيث كان الحرس الجمهوري قوة متماسكة ، والأمن المركزي يزئر من وسط العاصمة برجال قادرين على الحرب والدفاع عن عاصمته اللذيذة ، اعتقد الرئيس السابق أنه يستطيع إلجام العنف الحوثي بإعتبارهم "حركة قروية هائجة" - سمعت هذا التصنيف من الصحفي نبيل الصوفي - ، وعلى هذا بدا السياسيون في جهل عميق بماهية "أنصار الله" الذين بذروا مشروعهم قبل أن يولد الجد المئة لعلي عبدالله صالح ، وتوارثوه جيلًا بعد آخر وإيمانهم يتشكل بجلاء في خصومة "صالح" الغاصب لحقهم ، وقد بدا "عبدالعظيم الحوثي" في حوار مُسرّب مع حاخام الهاشمية المتحاذق "مرتضى المحطوري" يتحدثان عن أمر الحوثي للرئيس السابق في التخلي عن رئاسته والجثو على ركبتيه لتقبيل أقدامهم نيلًا لجنة يعرضها مخلوق يُصنّف جيفته إلهًا من دون الله .
- كان "صالح" واعيًا لكل هذا وأكثر ، لكنه لم يحفل بشيء سوى البحث عن انتقام يطال "حميد الأحمر" المتهم بحرقه حيًا في جامع دار الرئاسة .. كان قادرًا أيضًا على منع الحوثيين من بلوغ صنعاء وإرغام "هادي" على الاستقالة والقبض على الرئاسة بيد من حديد كما أراد له التجمع اليمني للاصلاح أن يفعل ، لكنه لم يجرؤ .. واليوم يتحدث عن بشاعة حلفائه بتصريحات لا تخلو من القلق ! ، فيحشد ويدعو ويأمل ويتفاعل بعد أن أهان الحوثيون كل عزيز في اليمن ، ورغم كل شيء نحن معه اليوم على عدو أفاق اليمانيون بعد أشهر طويلة على وقع أقدامه داخل منازلهم ، وأصبعه في أعينهم ويده في جيوبهم ، وسلاحه على رؤوسهم وبيادته تدعس أعناقهم التي ما أنحنت لجبار متغطرس .
..
قال الرئيس "هادي" لليمنيين الذين يقطنون فيما بات يُعرف بإقليم "آزال" أن مشروعه الجديد ينقذهم ويتيح لهم فرص التعليم الحقيقي ويضع أمامهم خطة عبقرية للنماء يتركون فيها السلاح ويتوجهون صوب ساحات العمل والتنافس ، أرادهم "هادي" أحياءً ليفكروا في مستقبلهم ، فنزع الحوثيون أرواحهم بكيدهم على الوطن وغزوهم البربري لكل بقاع اليمن في عنف لا سابق له ، لم يدعُ هادي إلى حاكمية "جلال" أو ولاية "ناصر" فعلى ماذا كرهتموه وتركتموه وحيدًا بلا جنود ؟!
.. 
حين يقاتل السلاليون الهاشميون على سلالتهم ، يفرزون المجتمعات سلاليًا ومناطقيًا وعرقيًا - هكذا تقول الفيزياء - ، تتخندق الهوية اليمانية في مواجهة العرقية الهاشمية وبداخل جغرافيا "آزال" يدور الرحى وتُطحن العظام واللحوم ، يتدفق الدم ويُهزم المستقبل .. فمن ذلك المجنون الذي أعطى سلاح أجياله لرجل يقول أنه حفيد "علي بن ابي طالب" ؟! ، إنه "صالح" الذي لا حكاية تفوق اليوم حكايته ، ينتظره اليمانيون بشغف في حربه الأخيرة ، معركة يكون فيها "زعيمًا" أو يموت كـرجل أهان نفسه وهزم أحزابه وأذل أنصاره .
..
لا يجوز أن يتسلح الهاشميون كعنصر سلالي يرى في الهاشمية فكرة وسلاحًا تقوده إلى الحكم ويظن فيها العرش حقًا وملكًا ومنصبًا لا ينازعه أحد ، فهو حفيد رجل من "قريش" منعه أصحابه من تولي أمرهم ثلاث مرات متوالية حتى دخل الخمسين فمات مغدورًا في حرب ما يزال أوارها مشتعلًا إلى اليوم .. أربعة عشر قرنًا وكل هاشمي يردد على مسامع المسلمين عبارة الحسين بن علي "أنا خير منك لأني سبط محمد" ! ، فيما لا تزال ذكرى تنازل "الحسن" لمعاوية تدق رؤوسهم بحسرة من فقد عرشه سريعًا ، فيقبضون على السلاح بشهوة قاتلة ترتد رصاصاتها على كل من أولاهم شأنه وحياته . وفي اليمن لا يردد الهاشميون تلك العبارة الحسينية وحسب بل يزيدون عليها بمحاولة إرغامنا على تقبيل اقدامهم لأنهم احفاد ابن عم نبي وبقايا فرس وخليط أعجام وعجينة من كوكب آخر قادم من ثقب الخرافة كرصاصة اخترقت الماضي واستقرت في قلب العام ٢٠١٧م .
..
سقوط المؤتمر الشعبي العام في مواجهة السلاليين يعني وفاة الجمهورية رسميًا ، وهزيمة مذلة لشعب عظيم أمام مسلحين لا يتورعون في القتل بشبهة الظن ، هذه مشاعرنا بأسباب وضع لا نوافق فيه على التمرد ، فماذا لو انتصر الحوثيون في مأرب وقتلوا هادي وتخلى التحالف العربي عن جيش يقوده بطل جمهوري عنيد إسمه "محمد المقدشي" ؟ ماذا لو حقق الحوثيون أطماعهم وسيطروا على اليمن بدعم معلن يقوله "صالح" في شاشات التلفزة ولا يلومه شيء ؟ ، هل كنتم تجرؤون على فعل ما تفعلون ؟ .. سؤال بارد على صفيح أسخنته صراعات المتمردين الدامية .. وفي الأسئلة يبرز حديث تديره "توكل كرمان" يضع الحوثيين في خانة الخصم السياسي ! . قلت لها في محادثة خاصة أن الهاشمي الذي يطوف بسلاحه كل شعاب اليمن بحثًا عن عدو يرفض ولايته ليس سياسيًا ، ولا يجوز وصفه بالمكون السياسي ، فـ "عبدالملك الحوثي" الذي استعد لقتال اليمنيين حتى يوم القيامة ليس "هادي" الذي غادر صنعاء مستقيلًا ، ولا "صالح" الذي انتقل الى جوار ربه محترقًا حتى عاد فجأة بمعجزة فتحت عيناه على شهية الانتقام ، وقد هرول الى التوقيع خشية من شباب لا يخيفون أحدًا ومثلهما الرؤساء السلال والارياني والشعبي وسالمين ، أما "الحوثي" فشأن فرعوني بحت ، رجل يُطل من شاشة المسيرة قائلًا "أنا ربكم الأعلى" ، وانصاره الهاشميين يطبعون في صدر صحيفتهم صورة مؤسسهم الصريع قائلين أنه "القرآن الناطق"! ، هُم الدِين ونحن دونهم كفار ، هُم الجنة وعقوقهم ينتهي بنا بين يدي الشداد الغلاظ يسوقوننا الى جهنم ! . ليسوا اليدومي أو الانسي ، لا يرتعشون من منشور ناقد ، ولا تهزهم امعاء الجائعين . يطوفون على الحلم اليمني وينفذون إليه حتى يصير كابوسًا في الصحو والمنام .
- "صالح" لا يشعر اليوم أنه "منقذ" ، فما عاد يهمه شيء سوى "رأسه" الذي يسعى إليه الحوثيون بهمة تحاول حصاره كما حاصروا رئيسه ، وفي ٢٤ اغسطس سيكون اليمانيون أمام ذكرى أكبر من حزب ، إنها تاريخ فارق من ايامنا العظيمة التي شارك في بناءها كل السياسيين والمفكرين والمثقفين والعلماء والأعيان والأقيال ، حيث خُلق المؤتمر الشعبي العام تنظيمًا يشمل فئات المجتمع العبقرية في يوم وئام وطني خالد ، قبل أن ينتقل المؤتمر الشعبي بميثاقه الوطني إلى خانة الحزب مع تحقيق الوحدة اليمنية في ١٩٩٠م .
٢٤ اغسطس يوم اليمنيين جميعًا ، ولا يجب أن يُهزموا فيه ، إنه يوم البشرى ، وذكرى دخولهم في دينهم الوطني المعزز للجمهورية البهية ، رسالة ترى كل يمني حقيقي نبيًا على نفسه ورسولًا لوطنه 
..
. لقد تعرض اليمانيين لهزيمة مهينة في ذكرى ثورتهم الخالدة ، واختلفت مشاربهم حول الوحدة اليتيمة ، فما عاد لهم في اليد عصفور ولا مغرد إلا بقايا يوم ممزق يلملمون اجزاءه ليصنعوا منه جسرًا يبلغ بهم إلى المستقبل .. وما أخشاه أن يُفجّر "صالح" آخر احلامهم بإنحناءة لا يقوم بعدها أبدا .. دعونا ننتظر .. أليس الصبح بقريب .

.. وإلى لقاء يتجدد