محمود ياسين

محمود ياسين

حينما تكبر لحية الصحفي بصنعاء؟!

2017-07-10 الساعة 20:32

 

 

  يخطر لك ان لحيتك تكبر وفقا لهمومك الوطنية وانك لست كسولا بقدر ما انت منهمك في الالام العظيمة 
غير ان اول من يصادفك من القروبين القادمين من البلاد يسأل وهو يحدق في لحيتك ما ان كان عليك مشاكل 
تبدو تلك التفاصيل مغوية لمشاهد منتزعة من سير ذاتية لفنانين معزولين اختاروا التواجد المتوحد بين كتبهم واللوحات وتبد تلك اللحية لمنفي عميق او متألم جذابة على نحو ، وحتى الكسل هو الاخر يبدو شكلا نشطا من الوجود لحظة عزوفه عن كل شي 
لا زلت انا في المراحل الاولى من سردية مخرج ايطالي قال انه لا يمكنه الوقوف خلف الكاميرا والتقاط عبثية التفاصيل اليومية الا ولحيته هكذا ، وتتوالى اغواءات الشكل اللامبالي للفنانين والمفكرين الذين تظهرهم تلك الايحاءات المهملة متأنقين باللا اكتراث 
انت في صنعاء تبد رثا اذ تدع لحيتك ، ويرتاب عنصر حوثي في نقطة التفتيش في كونك صحفيا ، فالصورة في ذهن محيطك الوجودي قد ثبتتك حليقا على جدار العلم والثقافة 
صديقي الذي اهمل حتى طعامه مكتف بوجبة واحدة لم يكن اذ يفعل ذلك قد اقتفى نزعة انكار غذائية او انه مثلا قد حول مقولة " تعبت من التهام الخبز واللحم " الى اجراء واقعي لفنان سئم كونه جهازا هظميا ،، لا لا هو قد اتبع فكرة الوجبة الواحدة لينحف ويبد معتلا وجوديا لحبيبته التي لا تكف تظهر حبها لملامح ديستويفسكي وتسميه " الفاتن النحيل" لكنه عندما التقاها في الكافيه لم تكد تلحظ اي فتنة في وجوده النحيل وبقيت تتحدث عن " ديستو" هكذا تسميه تحببا ، وراحت تختصر له الاخوة كارامازوف وتمتدح شهوانية ديمتري كارامازوف حد تسميته اله الشره الذي يمكنه التهام القارئ، وفجأة حدقت في وجهه وسألت : فحصت للكوليرا ؟ 
لحظة اخبرني القصة فكرت كيف انه وبينما تتداعى بلادك لا يسعك ان تكون نسخة من احد غير اليمني ، ذلك ان جيفارا قد استحوذ على ولع جيل ثوري مفتتن بلحية منشق ليس لديه الوقت ، عوضا عن ان المتأنقين كانوا الصورة المجسدة لمدير الملهى الليلي الحليق ذو السحنة التي تشي بالتفاهة المصقولة ابان ما كانت كوبا مجرد ملهى ونادي قمار لامريكا 
انت اذ تطلق لحيتك تبقى خارج المشهد الذي قراته في كتاب عن جاذبية الملامح الاقل اكتراثا 
لكنها هذه اللحية تبقيك بين أهلك ، توحي فقط بالرثاثة او تذكر بالتدين 
لا احد يملك الشغف الكافي لوضعك مع لحيتك في كتاب او تجربة ثورية ، عوضا عن التقاط الهموم الوطنية من ملامح انسان يحتاج الجميع لوضعه على كرسي الحلاق . 
بالنسبة لصديقي فقد غادر صنعاء الى جهة مجهولة ليس من بينها قريته رغم انه قد اثخن الفراغ بتمجيد مرويات العودة للقرى ، هناك حيث تعبث ريح المغارب بلحيته لحظة اكتفاء وجودي بصورة لا يلتقطها له احد غير عين الظلام الذي وصل للتو ، عودة الفنان والمقاتل وعودة سمك السلامون الى حيث الميلاد بحثا عن ايام السلام الاخيرة . 
سألت عنه فقال المؤجر انه علي ان ادفع ايجاراته المتأخرة واخبرني صاحب البقالة انه نسي لديه مجموعة كتب عرضها علي ولمحت فيها نسخة من رواية " الرجال المنسيون من طرف الاله " وأضاف انها لا تكفي ولو قليلا هذه الكتب مقابل ديونه للبقالة فالرجل البقال هذا مثقف ايضا لكنه يكره نهايات المثقفين الذين يهربون مثل لصوص مساكين 
أحلام اجابت برسالة واحدة على مرافعتي المطولة التي كنت ادافع فيها عن لحية صديقي ونحافته الفنية وقد ضمنت بعضا من الاستعلاء ولمز سطحية الفتاة ضمن منهج مقاومة تدربت عليه مؤخرا 
قالت أحلام في رسالتها :ماحد يغار من ديستو ،، انا احببت صاحبك كما هو لكنه بلحية او بدونها لم يتمكن من ان يحب نفسه .