عبدالوهاب طواف

عبدالوهاب طواف

من رحم المعاناة... تتخّلق الحياة.

2016-12-16 الساعة 14:48

  عصور مظلمة، وظلم وجور وتعسف وحروب وجهل وظلام وتخلف وإنحطاط فكري وديني وسياسي وإجتماعي، ونصب ومتاجرة بالدين هي صورة العالم قبل عدة قرون. من تلك الحُقب الزمنية سطع نور وبزغت نظريات وقوانين ونُظم للحياة مازالت سائدة حتى اليوم.

معظم المفكرين والعلماء وجهابذة العلوم النظرية والعلمية والإنسانية، عُذبوا ونُكل بهم وسُجنوا، وكثير منهم أُعدموا. من تحت الركام تشع الحياة. تحت الأنقاض نجد الجواهر. الحاجة سيدة الأختراع. المعاناة تدفع الإنسان لإخراج كنوزة المودعة بإعماقه من الله سبحانه وتعالى. الراحة والشِبع والإكتفاء والغنى والبذخ، عربات تقل الناس الى دهاليز العٌتمة والتخلف والإنكفاء على النفس وقتل الطموح والإضمحلال.

أمريكا، سادت العالم، لأنها كانت خليط من كل شعوب الأرض. معظمهم هاجر وهرب بحلده الى تلك البقعة البعيدة من الأرض، وكان العمل والجهد والبذل والكفاح السمة الغالبة عليهم، ولذا كان النتاج قوة وحضارة. أسرة أوباما هربت بجلدها من أدغال وفقر ومعاناة وتخلف أفريقيا، ليصبح أبنهم المهاجر الفقير الضعيف، حاكماً للعالم. عاشت أوروبا فترة زمنية مظلمة ومتخلفة وحروب شاملة، وهاهي اليوم نقطة نور ورقي، وملجأ لكل مظلوم ومشرد ومهاجر.

نرى الدمار والخراب والقتل والتشريد والظلم، سمة اليوم لعالمنا العربي. إنتظروا قليلاً... سنوات عدة، وستجدوا الحياة عادت بنمط جديد وبثوب قشيب، وصار الركام بنيان. ستجدوا الظّلمه رحلوا وبقي الأخيار. ستجدوا أبناء المهاجرين من أوطانهم، صاروا علماء وعباقرة في أصقاع الأرض. بهم ستنتشر ثقافتنا الحقيقية المسالمة وديننا الصحيح. بهم ستُعمر الأرض وسيرتد خيرهم إلينا.

بالحروب فقط يظهر زيف وبطلان مشاريع الموت والخراب والعنصرية والطائفية والسلالية وتعلوا، إلا أنها في الأخير، ستهوي وتُدفن، وما ينفع الناس فقط هو ماسيمكث في الأرض. بالحروب تظهر حقيقة المنافق والمخادع والنصاب والمتدين الكذاب والأفاك والزنديق. ولا غير الحروب والأزمات تكشف الظلم والظالم.

العسل يخرج من بطون النحل. والجواهر لن تجدوها إلا في باطن الأرض. والعنبر فقط في أمعاء الحيتان، وعطر المسك في بطون الظباء والغزلان. ووالألماس أصله فحم. والحديد والذهب أُنزل من مناطق مظلمة خارج الأرض. لن تجدوا اللؤلؤ إلا في صدف مغلقة بين الطين والطمي والطحالب. في باطن الأرض والمحيطات المظلمة أغلى كنوز الأرض. ومن فوهات البراكين وحممها القاتلة تجدوا المعادن والنفائس وسماد الحياة وطيبها. يخرج اللبن والسمن من بين فرث ودم. بالضغط الإيجابي والتعب والسهر والمعاناة والصبر والمتابعة، يتحول أبنك الصغير اليوم الى نابغة غداَ. في أعالي الأشجار ستجدوا ألذ الأثمار. في أفواه الثعابين تجدوا العلاج. وبسموم العقارب تُطرد الأمراض والأسقام.

ستجدوا أن الأنبياء والعظماء والقادة قد خرجوا الى الدنياء من رحم الظلم والمعاناة والحرمان. ستجدوا أن أعظم الذنوب هي مفاتيح التوبة ودخول عالم الإستقامة للمذنب والجاهل والتعبان. بالفقر والمعاناة والظلم تعرف معنى الغنى والنعمة والأمن والسلم والسلامة والعدل. بالظلام يُعرف النور، وبالبرد والجوع يُعرف الدفئ والشِبع. لن تعرف النعمة إلا بمضادها وبفقدانها. غداً ستجدوا الأمر قد تغير والوضع تبدل، وصار الظالم في عالم النسيان والضياع والحرمان، وصار المظلوم هو الحاكم والعالم والفنان.

الزمن خير معلم وحاكم وقاضي وجلاد. فقط أتعب وجاهد وناضل وأصبر، وتوكل على الحنان المنان.