محمود ياسين

محمود ياسين

لست متحازن آخر الليل !

2016-09-26 الساعة 23:47


صدقوني ، انا لا استدعي الخيبات لأكتب لكم 
كلما هنالك انها خيبات حقيقية ، وانني في الجولة لا ادري هل اركب الباص الذي يدعوني لشارع العدين ام اجلس في المقعد الخلفي للهايلوكس في انتظار اكتمال رحلة الى صنعاء ، أم اتعلق بأول شاص تمر بي في مفرق القرية 
لقد فقدت الطريق ، هذا كلما في الامر 
لا جريدة تنتظرني في صنعاء ولا صداقات ونشوات مثل هذه التي في إب ، ولا احب الان ان اقف على باب قريب اضغط جرسا تعطل منذ سنوات وقد نسي اصابع الضيوف 
حسنا : هل تريدون ضحكة ما ؟ هل انني سأكون محبوبا الان لو رويت لكم نكتة على مفترق ثلاث طرق كلها تقود لوحشة واحدة ؟
لقد انتزع الحوثيون مني المهنة وراحة البال في صنعاء ، لقد رفعوها بضعة كيلو مترات اضافية عن مستوى سطح البحر فأمسى الاكسجين هناك حشرجات واصابع قلقة 
والبقاء في إب يعني المزيد من هذه الرثائيات لشارع العدين ولهجة البكاء على اطلاق المدينة القديمة ، في الممرات الحجرية التي يمكنك فيها الحلم بتأبط ذراع فتاة امضت سنوات في ازقة روما القديمة وتظن انه يمكنها التسكع ليلا في ازقة إب القديمة هكذا في الليل وبكل بساطة ، وأنه ما من فارق بين شرطة روما وبين المسلحين وقد لصقوك على جدران مدينة لم تعد تعرفك 
توقف الباص : المركزي يا أخ ؟ 
قلت : لا 
اقتربت الهايلوكس : صنعا يا استاد ،؟ 
قلت : لا 
توقفت الشاص في المفرق : المجمعه يا صاحب الدنوه ؟ قلت : لا 
قالت الجولة : انا وانت فقط نعرف الدوران حول الذات ، بلا طريق ولا وجهة ولا عشاء .
في جولة العدين ادركت سر المكوث ، لحظة تخلي الكائن عن كل الذي ادعاه من ضروب القوة والحماسة 
في جولة العدين ، طلبت واحد شاهي حليب ، وفي الطاولة المجاورة يدور حديث عني وعن افضل الكتاب الصحفيين ، شابين من العدين لديهما ثقافة ما قبل مرور السيارة الاخيرة الى البيت ، كانا يتحدثان عن شخص يحمل اسمي ولقبي ، لكنني لا اكاد اعرفه ، إنه اكثر قوة وحرية من الذي انا عليه الان ، انه صورة متخيلة عني ، طيف مرح متهكم كامل الضربات انفصل عن جسدي وراح يدهش الجميع بينما انا حالة من المكوث واللا وجهة 
صورة تم انتزاعها من جلستي ، صورة لكاتب يتجول في ذهن اليمنيين قويا ومدهشا وعلى درجة من الحظ وحسد المكانة ، بينما تحتسي حقيقتي اخر ما في كأس الشاي وقد نضب منه الحليب ، قارئي الشغوفين حملتهما الهايلكس ، وكان اكثرهما تحمسا للكاتب محمود ياسين قد طلب مني بلهجة متبرمة وهو يغادر : لو سمحت يا أخ ، باعد حقك الكرسي نخلف 
مضيا في عتمة الشارع صوب قرية ما في العدين ، فكرت في الجبن والعسل ، فكرت في الإياب وهجيع الليالي وفي النساء على الاسطح يرقبن عودة المتأخر مبعث القلق وكوامن الليل 
انا بلا وجهة ، احتسي هذيانات الفيسبوك وغرامياته المرحة واشكال الاطراء 
ثم لا شي 
رفعت يدي : يا متر 
دون ان اعرف الى أين .