د. مروان الغفوري

د. مروان الغفوري

أقول لكِ، الآن: أنا خرافتُك العابرة (قصيدة)

2016-09-10 الساعة 01:49

 

أقول لكِ، الآن:
أنا خرافتُك العابرة.

تقدسي، لأحمل السماء في خطام ناقتي،
أعشو ، كأنني خرافةٌ من الفناءِ والنبال،
نحو دارِك 
أكون نارَك المقدسة
ونهدةً تدبّ في قرارك.
تفتحي، أيتها الورة
تفتحي، يا كعبة المحب، يا سليلة السجدة.
جئتُك من سريّة الكلامِ
جدولاً يغرقُ في فوديك
يغرسُ التوحيدَ والغمامَ
في النهدَة.

مري على لجج الفؤاد، ومرري قلبي لقلبك
وتفتحي، مثل الحروب، على هوانا.
كوني الهوى الجبلي، 
لأكون مفترق التقانا.
أنا أناكِ، وأنت إنّي.
ضدان ينصهران في لجج التمنّي
يتداخلان بلا معاني
ضدّان من عرَقِ الزمانِ.

حسناً، ستنزل غيمة أخرى وأصلبها على نهدِك
وأصعد في الدموعِ، إلى سمائك
مدي جناحك، جاءني زمني
عارٍ من الأيام، متّشحاً بأشجارك
يهفو إلى دارِك
ستنزل غيمةٌ، وأكون فيها
فتفتحي..
أنا الذي سالت سواقيه عليك
وأنت كنتِ النارَ فيها.

يا ممشى ذي النون، ويا مهبط إسرافيل
يا وجع الأكّارين، وأحزان العرّافين
دلي ذاتَك لحقولي
كوني منسأتي، ورسولي
كوني الكلْمة، 
حتى أعصرَ في صوتك تكويني
وأكون يقيناً جبليّاً، يبعثُك ويفنيني.

أنا هنا، شاي الصباح فهدهديني في شفاهِك
وعمّدي صحوي بآخر ما تبقى من مسائك.

أيتها الزاهية، يا بحيرتي المشتعلة
يا قمّة المعنى، يا أصيل صدري
يا نصّي وحاشية وطني
أيتها الشوق الذي يخلقه النحلُ في بصيرتي
وتمسحه الروح على منامي
تجلّي إلى الأبعد
هناك، حيثُ أقتلع شجرةً تشبهك، وأغرس شجرة تشبهنا معاً..

أيتها العاشقة، الطريّة،البريّة.
يا غزالتي العذراء
يا دمي الذائب في روحك.
امددي إلي فنجان معانيك
واقرئيني على مقربة من نارك اليونانية المقدّسة
واشتعلي بي
اشتعلي، 
حتى تذوب السماء، وتستحيل نجماً قرويّاً على فستانك
ويهوي الهلال بين شفتيك مثل روح مؤمنة.

سأهدهدك على سرير الكون
وأذيب مجرّتين بين نهديك.
سأقول لك : 
نامي
نامي
نامي
ليتجمد دخان المجرّة، ويصعد دخان صدري
أنا غبار الخلد والفناء.
وعندما تطبقين جفنيك، سأشد السماء على صدرك
كي لا تمسّك أقدام الملائكة
( تعرفين ولعهم بالحروب، وعمائهم الخضراء)
أيتها النقية الأزلية، يا زرع البادية، وأناشيد البحّارة
يا خضلة الحوتِ، ولهب الأنبياء
يا بسمة الإله، ودم المعبد
افردي هذا الكون بلا هوادة، 
كي ندخل في مساماته، 
ونضيع في المعيّة العليا كالشهداء والأنوار.

مدي شعرك، لأصعد إلى ظلالك الأولى 
هناك.. أنتِ تحبلين بالشمس الريفيّة
وترقصين بسخونة اللبن، برشاقة المواء.

سأرحلُ بك خلف البحر
هناك، نبني عشّاً صغيرا من كلام العصافير
( ضد الموت والحروب)
تفترشين صدري، في كل مرة يؤوب فيها البحر إلى أوكاره،
نصنع له شاياً مدخّنا، وقليلا من الشعر
ثم أدخل في معانيك،
فتنهار البحيرات الراكدة على خديك
تمر السماء وتتعثّر لمنظرِنا
فيصطادها رعاة البحر بعيونهم
وفي الفجر، تنبت حشائش بيضاء على صدرك
وفي جبيني.
ويكون البحرُ قد غادر، كعادته،
يحمل البضائع والمهاجرين
ورغوة الحقيقة.

أيتها الأنثى التي أقيم عليها بصيرتي
الشجرة التي تدفنُ أسراري
أنتِ الآنية الجوهرة، أشربها وأفنيها
سأعتريك، أعتريك مثل برد قارس
وأخرج من مسامك مثل صيف همجي
آه كم أشتاق لفنائك في ذاتي
لك، 
تخلعين نعليك على صدري
لقمرٍ يصّاعد بين عينيك
وبحيرة تترجرج في خصرك.

أنا خرافتك العابرة
ميثوسك الجريح
أصفّفك في الخيال.. أفرِشك على ألسنة الريح
أعيدُك للهيئة الأولى:
- قمراً يركض في البرية
- أنفخ بين شفتيك، فتعودين للهيئة الثانية
- غزالاً يتخلّق في عذوق النخيل
- أعتصر قمريك، وأعبّ حمرتهما، 
- فتعودين للهيئة الثالثة
- بحيرةً تتسلل في ثياب طفلة

أغرقُ فيك حتى الرماد
فتعودين لهيئة الحب المقدّس:
- حميمٌ في أعالي البحار، عصافير عاريةٌ في القيعان.

لي أنت يا وطني
ولي قلبك الأخضر المستحيل
لي بلدٌ بين عينيك، تحرسه ملكات النخيل
ولي في حديثِك متّكأ، يا فتاتي.
يلمّ رفاتي.
ولي قدرٌ أخضر اللون،
تنهرُه جنبات السبيل.

وأنت تفردين جناحيك
يهبط البحرُ إلى قاع قلبي
ترتفع السحابات فوق لساني
فأتلوكِ على نحو غزير، غزير

فكوني الآلهة الأشهى
كلمات الفجر الناضجة الناعمة الأولى.
كوني التوحيد، وآنية الخلد
وحديثاً ينشعُ من بين أصابع هذا الصبح.
كوني المعنى، ومجاز المعنى، ومجاز مجاز المعنى، ومجازي مجازي
وطناً يدخلُ في حبّات القمح
ويسبحُ في بهو الألغازِ.

ادخلي في معيتي، يا فتاتي
وارقصي .. ارقصي، واشربي من شتاتي
أنا جائع ليقين على شفتيك
سادرٌ في حديثٍ يدلّ إليك.
سأطفئ ضوء الهلال
وأفسح قلبي، لكي تدخليه
تنامين فيه إلى أن يعود الهلالُ ضبابا
ينام على هدب عينيك،
يسأل عن فجوةِ المستحيل
وأين يموتُ الطريقُ الطويل؟

حين تسافر فينا الأيام، ينام على صوتي التاريخُ
وحينُ سيهربُ ظل الدنيا من وجع الأحلام
سألقاك
سأكون هوّاك الهارب في الأفلاك
وأكون سماءً لسماكِ.

وإذن .. سأسافر فيك
أرد المعاني إلى رئتيك
أكون المجاز، تكونين ظل الإشارة
أكون الحقيقة، تنقسمين
تكونين نحتاً على آجرٍ،
وهلالاً ينامُ على هذه الاستعارة.

قولي لي ..
كم بين القلب وبين الله؟
كم بين ظلالكِ، وفلاةٍ تلعقُ ممشاه؟
وماذا يفعل ضوء، حين يجوع
وبلادٌ حين تخبّأ أسرار بنيها في الينبوع؟

أوزّع عرفاني على هامة الكتابة
أدخل فيك وأصعد، حتى يذبل قوس العالم.
أيتها الرغيف البدوي
يا سليلة الجبل، يا خجل الرعيان
أنت تتسعين الآن، تكبرين الوجود
وأنا أذوب في أوانيك، مثل حبات الطل
التحمي، التقطي، ارقصي، تورّدي
أعيدي:
هذا الوجود إلى أقدم كونٍ يتيم
ونهديك إلى جناحي ظبيةٍ تعومُ في الأساطير.
وثمّة سأعتريك،
مثل يفعل غنم في البادية مع الزهرة
مثلما تفعل النجمة بالسحابة
سأدخل في فستانك، كما يفعل البحرُ مع أيتام السفينة
وأهتف باسمك، مثل بحار تائه:
( ماء في كل مكان، ولا قطرة للشرب)
فتمسّدين صدري بطين المحيط
وتكوّمين على عيني خيالات العالم الأعلى
ولذّة الفناء.
أنا ودايك، أيا شمس الله ، فطيري
كوني تأويل الموتِ وتفسيري.

سأبني في غرّتك الشاهقة الناعمة الشقراء
دياري
وأذودُ الريحَ بعيداً، تصهلُ في البيداء
أما أسراري،
فسأنفُشُها في أطرافِك
ترعى في معناكِ، وتصعدُ في أوصافِك.

يا حلوة هذي الأغنية العالية الناعمة الذهبية
يا لمسة عين إلهٍ، وشموخ حرابٍ بدويّة
يا قدر التاريخ، ويا بنت فؤادي في الأبديّة
يا مملكة النص، ويا نصاً تفتحهُ الأسرارُ الصوفيّة
ضيعي في صدري
صدري مملكتي، أرضي، ونشيدي
قافلتي، حين أغادر ذاتي
متّكئي حين سأهدمُ في نهديك سماتي
صدري منسأتي
ودمي ميقاتي.

قلبي وقلبك منزلان
يتبادلان السرّ في لهو الزمان
قلبي لقلبك وردةٌ وصلاةُ
وحروف إنسانٍ تبدلها الجهاتُ
وأنا وأنتِ، كما الطريقُ، نطول من معنى إلى معنى
وتغرقنا الصفاتُ
قلبي وقلبك كوكبان
يتناوبان على الحراسة:
أيّنا القمر المنيرُ
وأينا هذا الزمان.

****

* مروان الغفوري
2010