عبدالناصر المودع

عبدالناصر المودع

جريمة التطهير العرقي في عدن!! المسئولية،، النتائج!

2016-05-08 الساعة 17:41

 

 تُـعرف المراجع القانونية جريمة التطهير العرقي بأنها: كل الأعمال المنظمة التي تقوم بها سلطات رسمية أو غير رسمية (قوى متمردة) أو أفراد وتستهدف إجبار مجموعة سكانية محددة، بشكل مباشر أو غير مباشر، على الرحيل من مناطق سكناها. ووفقا لهذا التعريف؛ فإن ما قامت به السلطات الأمنية في عدن بتاريخ 7 مايو 2016 من ترحيل قسري لمواطنين من المحافظات الشمالية، وسجن آخرين بغرض الترحيل، ومنح آخرين مهلة لمغادرة المحافظات الجنوبية؛ جريمة تطهير عرقي مكتملة الأركان. فقد توفرت كل عناصر الجريمة من قبيل: 
1-    استهداف مجموعة سكانية محددة (شماليون) وترحيلهم عن طريق استخدام القوة القاهرة إلى خارج المحافظات الجنوبية.
2-    حجز مجموعة سكانية محددة (شماليون) بغرض ترحيلهم القسري.
3-    منح مجموعة سكانية محددة (شماليون) مهلة لمغادرة المحافظات الجنوبية.
وبتوفر أركان الجريمة بالشكل الذي ذكر، فإن العدالة تقتضي محاسبة المسئولين عنها، من المنفذين، والمقررين، والمحرضين، وكذلك المسئولين الذين لم يبادروا لمنعها، ومعاقبة مرتكبيها. ويمكن ذكر هؤلاء في:
1-     شلال على شايع مدير أمن عدن المسئول المباشر عن هذه الجريمة. كونه الرئيس المباشر لأجهزة الأمن والشرطة التي قامت بهذه الجريمة.
2-    عيدروس الزبيدي محافظ محافظة عدن بصفته، مسئول مباشر عن هذه الجريمة، كونه الحاكم الإداري للمدينة التي وقعت فيها الجريمة، إذا ثبت بأنه شارك فيها بالأمر، والمسئولية الجنائية غير المباشرة في حالة عدم إصداره الأوامر، ولكنه لم يقم  بمنعها ومحاسبة المسئولين عليها.
3-    جميع الضباط والأفراد الذين قاموا بتنفيذ الجريمة، مسئولون بشكل مباشر عنها، ولا يعفيهم من المسئولية الأوامر الصادرة من رؤسائهم؛ كون القانون يمنع الموظف العام من تنفيذ الأوامر المخالفة للقانون.
4-    حسين محمد عرب وزير الداخلية، مسئول غير مباشر عن الجريمة، في حال لم يقم بمنعها، ومعاقبة المسولين عنها؛ لكون قوات الأمن التي قامت بها تابعة بحكم القانون لوزارة الداخلية. 
5-    أحمد عبيد بن دغر رئيس الوزراء، مسئول بشكل غير مباشر عن الجريمة، في حال لم يتخذ إجراءات ضد من قام بها، كونه وفق الدستور المسئول عن عمل جميع مؤسسات الدولة (المادة 129 من الدستور النافذ)
6-    عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية مسئول غير مباشر في حال لم يتخذ إجراءات عقابية ضد من قام بالجريمة بكونه المسئول الأول في الدولة عن حماية المواطنين، وصاحب الولاية القانونية في عزل وتعيين، ومحاسبة، الموظفين الذين قاموا بارتكاب الجريمة.
7-    النائب العام مسئول غير مباشر عن الجريمة في حال لم يقم برفع دعوى قضائية ضد مرتكبيها دون الحاجة إلى شكوى من الضحايا؛ كون الجريمة أصبحت مشهودة ومعلنة.
8-    جميع الوزراء والمسئولين وكذلك نائب رئيس الجمهورية ومستشاري الرئيس؛ يعتبروا مسئولين بشكل غير مباشر في حال لم يعلنوا إدانتهم ورفضهم للجريمة.
      برر المسئولون في عدن جريمة التطهير العرقي بأنها أتت لمخالفة المرحلين لنظام الإقامة في عدن، وبأن المرحلين لا يحملون هويات شخصية، وهذا التبرير ليس له أي حجة قانونية، فمحافظة عدن هي جزء من الجمهورية اليمنية، وليس هناك من نظام إقامة في عدن أو أي مدينة يمنية أخرى تشترط على المقيمين من اليمنيين، الحصول على إقامة فيها، وكأنهم أجانب. وقيام السلطات في عدن بابتداع مثل هكذا نظام يعد جريمة إضافية لأنه يتعارض مع دستور الجمهورية اليمنية وقوانينها النافذة، والتي تنص على أن جميع المواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات، وفرض إقامة على الشماليين في محافظة عدن يعتبر نوع من التمييز الواجب معاقبة مرتكبيه. وأما التحجج بأن السلطات في عدن لا تعترف بدستور الجمهورية اليمنية، فهو احتجاج باطل لأن محافظ عدن ومدير أمنها يستمدوا شرعية ممارساتهم لوظائفهم عبر تعيينهم من قبل رئيس الجمهورية اليمنية، والتي هي الدولة صاحبة الولاية في محافظة عدن وفقا للقانون الدولي، كما وأن محافظ عدن قد أدى القسم الدستوري الخاص بهذه الجمهورية. وعدم اعتراف هؤلاء بالجمهورية اليمنية وقوانينها يجعل سلطتهم غير شرعية ويستوجب محاكمتهم لأنهم حينها يمارسون سلطة غير قانونية. 
وفيما يتعلق بالحجة الأخرى التي أعلنها مرتكبي جريمة التطهير العرقي، والمتعلقة بعدم وجود هويات شخصية للضحايا؛ فإنها حجة غير قانونية، فليس هناك من قانون في الجمهورية اليمنية يمنح السلطات الأمنية الحق بمعاقبة أي شخص لا يحمل هوية شخصية، ناهيك عن طردة.
أن جريمة التطهير العرقي من أخطر الجرائم لأنها تطال شريحة واسعة من السكان ذنبهم الوحيد أنهم ينتمون لجماعة سكانية معينة، وهي لهذا السبب تعد من الجرائم الكبرى التي لا تسقط بالتقادم في القوانين المحلية والدولية. يضاف إلى ذلك حجم المتضررين منها والذي قد تصل أعدادهم إلى الملايين، كما أنها من الجرائم المركبة لأنها تؤدي إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية وثقافية. فطرد مجموعة سكانية من منطقة ما؛ يؤدي إلى خسرانهم مصادر دخلهم، وحرمانهم من ممتلكاتهم، كما أنها تحرمهم من حواضن اجتماعية متكيفين مع بيئتها وثقافتها، ويرمون إلى بيئات اجتماعية قد تكون رافضة لهم. إلى جانب ذلك؛ تهيئ هذه الجريمة الظروف لجريمة أخطر منها وهي جريمة الإبادة الجماعية في حال أدت عملية الترحيل القسري إلى وفاة جزء من المرحلين، أو ساهمت في خلق أعمال قتل جماعية، مصاحبة أو انتقامية.    
أن خطورة جريمة التطهير العرقي التي حدثت في عدن تكمن في أنها لن تكون الأخيرة، فهذه الجريمة قد تفتح الباب لوجبات جديدة من عمليات التطهير العرقي قد تطال مئات الآلاف من المواطنين في المحافظات الجنوبية التي ترجع أصولهم بشكل أو أخر للمحافظات الشمالية، وعمليات انتقامية لمئات الآلاف من المواطنين في المحافظات الشمالية التي ترجع أصولهم للمحافظات الجنوبية. فكل هؤلاء معرضون لجرائم تطهير عرقي في حال مرت هذه الجريمة دون إدانة مجتمعية كاملة وعقوبات قانونية أقلها عزل المسئولين عنها من مناصبهم الرسمية.   
 على جميع اليمنيين في الشمال والجنوب، وتحديدا أصحاب الشأن والنفوذ إدانة هذه الجريمة والوقوف في وجهها، وفي وجه إي دعوة للانتقام في المحافظات الشمالية. فهذه الجريمة هي باب فتنة سيفتح ألف باب جديد وسيكون ضحاياها المباشرين وغير المباشرين بالملايين، كما أنها ستزيد من حالة العنف والفوضى والانقسام داخل المجتمع.
وعلى النخب السياسية والفكرية في الجنوب إدانة مثل هذه الجريمة، كما أن على النخب السياسية والفكرية في الشمال محاربة أي دعوة لأعمال انتقامية ضد المواطنين اليمنيين الجنوبيين في الشمال، فالجريمة لا تعالج بجريمة أخرى، فأي تحريض على المواطنين الجنوبيين في الشمال تعد جريمة، ناهيك عن طردهم. فجريمة التطهير العرقي في الجنوب يتحمل المسئولية عنها من قام بها،  ومن لم يمنعها استنادا إلى واجباته الدستورية والقانونية، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية.
 وليس لأبناء الجنوب ذنب فيها، أكانوا يعيشون في الجنوب أو الشمال، ومن ثم لا يحق لأي شخص بمن فيهم الضحايا القيام بأي أعمال انتقامية ضد المواطنون الجنوبيون في الشمال. وعلى هؤلاء بدلا من ذلك؛ التقدم بدعوى قضائية بالحق الخاص للسلطات القضائية في أي منطقة من اليمن، والتي تمتلك الولاية القضائية وفقا للدستور والقانون اليمني، ضد مدير أمن عدن ومحافظ المحافظة، بصفتهم المسئولين المباشرين عن الجريمة. ودعوى قضائية أخرى ضد المسئولين غير المباشرين ممن ذكرناهم سابقا، في حال لم يقوموا بواجباتهم القانونية والدستورية في حمايتهم وصون حقوقهم.
لقد تم التساهل من قبل الكثير من النخب السياسية والفكرية اليمنية مع الأفعال والدعوات العنصرية، والتي كانت تصدر عن بعض مكونات الحراك الانفصالي في الجنوب، وكان يتم تملقهم من قبل هؤلاء لأكثر من سبب تحت حجة مظلوميتهم، ومحاولة استيعابهم ضمن الدولة اليمنية. إلا أن هذه السياسية كانت خاطئة تماما لأنها لم تؤدي إلا لنتيجة عكسية؛ حيث تمادى هؤلاء، ورفعوا من سقف مطالبهم، وأوغلوا في سلوكهم العنصري البغيض، وما جريمة التطهير العرقي الأخيرة؛ إلا نتيجة لهذا التساهل. واستمرار هذه النخب في إتباع هذه السياسة سيؤدي إلى المزيد من الكوارث. ومن ثم فإن المنطق، والقانون، والحكمة، تتطلب الوقوف في وجه أي حركة عنصرية تسعى لتمزيق الدولة، وتجريد أي موظف عام يعمل في الجمهورية اليمنية من وظيفته العامة، وخاصة المناصب القيادية، كي لا يستغل هذا المنصب في تنفيذ أفكاره وبرامجه العنصرية البغيضة.
وفي هذا الشأن ينبغي الإشارة إلى أن قيام الرئيس هادي بتعيين شخصيات انفصالية، لا تؤمن بالجمهورية اليمنية، ولا بدستورها وقوانينها، في مناصب قيادية؛ كانت قرارات خاطئة ولا تنسجم مع الدستور الذي يجرم كل من يدعوا إلى تقسيم الدولة، ومن ثم معاقبته وليس منحه منصب قيادي في الدولة. فتعيين هؤلاء في مناصب قيادية عمل غير قانوني وغير مسئول، وليس له جدوى سياسية. فمن خلال التجربة ثبت أن الانفصاليين الذين عينوا في مناصب قيادية ارتفعت نزعتهم الانفصالية، وسخروا وظيفتهم لمشاريعهم الانفصالية التدميرية، كما فعل شلال شايع وعيدروس الزبيدي. وبالتالي فإن الواجب يستدعي عزل كل من لا يؤمن بالدولة التي يحتل منصب قيادي فيها، لأن في هذا الأمر تناقض واضح لا تخطئه العين.
أن ما قام به شلال شايع وعيدروس الزبيدي من جريمة سيؤدي إلى رفع منسوب العنف في اليمن، وهو الأمر الذي يضيف عقبات جديدة أمام السلام في اليمن. ولهذا يجب إثارة القضية في المحافل الدولية، وتحديدا لدى المبعوث الأممي لليمن، ولجنة التحقيق المنبثقة عن قرار مجلس الأمن رقم (2204) والتي من مهامها الرفع بالأشخاص الضالعين في أي جهود تؤدي إلى عرقلة التسوية السياسية. وبما أن جريمة التطهير العرقي، ستؤدي إلى مزيد من العنف والانقسام الاجتماعي في اليمن، فإنها تعد عرقلة واضحة للسلام والتسوية السياسية في اليمن.
في الأخير هناك مسئولية أخلاقية وسياسية، وربما قانونية، تقع على عاتق دول التحالف عن هذه الجريمة، أو أي جرائم مشابهة قادمة، فشلال شايع وعيدروس النقيب، يستلمون أجورهم من دول التحالف، والمعدات العسكرية التي شوهدت وهي تطارد الضحايا، وترافقهم إلى خارج الجنوب، اشترتها دول التحالف، ومن ثم فإن على دول التحالف إلجام هؤلاء قبل أن يدخلوهم في مستنقع ليس له نهاية.