د. مروان الغفوري

د. مروان الغفوري

تنويه

2015-09-18 الساعة 05:55


 

لا أحب دور الكاتب الاستشهادي، ولا المناضل. فقط أود أن ألفت عنايتكم إلى أن هناك لغة عنيفة تجري كتعليقات في عدد كبير من الصفحات حول ما كتبته بخصوص صراعات المسلمين التاريخية. توجد أيضاً تعليقات في صفحتي شبيهة، وهذا الفجر قرأت تعليقات على شاكلة "كم أنا متشوق لرؤية دمك" إلخ. 
وهذه ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة. الرسائل التي تصلني أيضاً ليست أقل عنفاً. رسائل جنسية ودينية وذات طبيعة سياسية .. إلخ تعليقاً على ما كتبته. 
بصرف النظر عن كل ذلك، يبقى أمر مركزي:
لي موقفي من الأخلاق، الأديان، التاريخ، والصراعات .. وسأستمر، من وقت لآخر، في التعبير عن موقفي. لو وقفوا كلهم على كعب رجل واحدة لن أتردد في التعبير عن ما أعتقد أنه "صحيح" علمياً، ولائق معرفياً. بعد فترة تزيد أو تقل سنكون كلنا قد صرنا في عداد الموتى، ومن الأفضل أن نكون قد قلنا كل الأشياء التي تدور في أعماقنا، في مداراتنا الداخلية الباردة والحارة. فلا توجد بعد الموت أمنيات.

علمياً لا يمكن القول: الإصلاحيون، أو المتدينون هم من يشكلون العمود الفقري لتلك الشرطة المتوحشة والضالة، الشرطة التائهة هنا في الفيس بوك وفي الحياة العامة.

هي، بطريقة ما، الإيديولوجيا الشعبية، أو طغيان العامة. طغيان العامة هنا تشير إلى معنى غير أفلاطوني، فقد استخدم أفلاطون ذلك التعبير للإشارة إلى الديموقراطية. هنا:نعني بطغيان العامة ممارسة رقابة صارمة على كل ما يهدد استقرار الإيديولوجيا الشعبية. 
أي: نظام العقائد والأخلاق والانفعالات العامة، المتواطأ عليها منذ زمن.
فهناك رسائل شتمت أمي لأني ذكرت اسم "عائشة" مجرداً من التمجيد.

قلتُ إن الذين هاجموني بعنف، وبسخرية حادة وصلت حد التفاهة متناهية الصغر، جهلة. وذلك وصف علمي. لا أرى من داع للاعتذار عن وصف مواطن عنيف، وشارد، يناقش موضوعاً ثقافياً أو علمياً عبر خزان من الوعيد والسباب بأنه جاهل. كل ما في الأمر، بالمعنى العلمي العملي أن ذلك الشخص جاهل بالموضوع الذي يدافع عنه. إذ يكفي، علمياً، أن تقوم أن ما ذهب إليه الكاتب لم يكن دقيقاً ولا منطقياً للملاحظات التالية. وحيثُ لم يكن ذلك هو الأسلوب الذي تتبعه في النقاش فإن الإحالة الأولى، والتي تجري آلياً، تضعك في درجة جاهل بالموضوع. أي: تمنحك الدرجة صفر، وتتسبب في طردك من الفصل الدراسي. 
هذه أبجديات حضارتنا المعاصرة.

أدرك أيضاً أن ازدراء الأديان موضوع مجرم قانوناً، وذلك أمر أعيه جيداً.
عندما تأكدوا أني لم أسئ إلى عائشة فتحوا نيرانهم علي لأني لم أبجلها كما ينبغي.
علمياً لا أستطيع أن أفهم ذلك، ولا ما معنى أن ذكر الاسماء دون تبجيل ينظر إليه كإهانة للأديان. 
هناك من اعتبر الإشارة إلى زمن النبي محمد بوصفه "زمناً سحيقاً" من قبيل إهانة الدين. فعلوا معي من قبل الشيء ذاته عندما وصفت عالم اللاهوت الزنداني بالكهل. نظر إلى كلمة الكهل بوصفها إهانة عميقة لرجل أفنى عمره في خدمة الدين، أي صار كهلاً!

لكن

ما هو أكثر إثارة وتشويقاً فقد اعتبر وصفي للشروح الدينية المصاحبة للدين والموازية له، والتي أهانت جوهره وبددت قيمته الحضارية وصنعت منه حفلة زار، بأنها مدونات تاريخية" قدحاً في الدين والقرآن نفسه، أي إهانة للرب في ملكوته، واستفزازاً.

قلتُ إن مدونات ذلك الزمن، وتحديداً السير والأحاديث، قالت إن القمر انفلق إلى نصفين، واحد جلس على الجبل وواحد خلفه.

تلك التفاهات التي تجعل العالم يقهقه حتى يفقد وعيه، إذ كيف يجلس جرم سماوي عظيم مثل القمر .. على جبل!

يجادلون: إنها إهانة للقرآن.

لكن القرآن لم يقل: 
إن القمر نزل على الجبل.

قال إنه انشق، ولم يضع تفسيراً لذلك. كل التفسيرات التاريخية التي شرحت الآية على نحو يتصادم مع العلم ويشكك في معقولية النص القرآني وقيمته، ومصدريته، هي نصوص تسيء للقرآن وتتسبب في إهانته، وتقوض فكرة المصدر السماوي للقرآن.
بينما يقتضي الإيمان الدقيق والعلمي، فيما لو وصح أن هنالك إيماناً علمياً، أن يقول المؤمن:
أؤمن بما قال الإله، ولعله يقصد أشياء لا أفهمها. 
بذلك تحفظ إيمانك، ولا تقدم شروحاً فلوكلورية تصدم العالم، وتبرزك للعالم عارياً وأحمق.

فيما سوى ذلك، وما يخص موقفي من التاريخ وصراعاته فهو أمر سأواصل الكتابة عنه بالطريقة التي أراها. ولا يملك أحد الحق في أن يمنعني من الكتابة، كما لا يملك أحد الحق في أن يقاتلني بينما أنا أمارس حقي الطبيعي في القول، في التعبير، في الوجود، في أن أتصور الحياة على نحو مختلف، وفي أن أستنتج خارج الصندوق، وأن أضع لداري سقفاً وخشباً من غير سوق القرية..

ونهاركم سعيد..

م. غ.