أحمد عثمان

أحمد عثمان

مشرعة وحدنان.. القوة الخارقة للمجتمع !

2015-08-03 الساعة 03:09

 

 حاولوا ان يلتفوا على هزائمهم ويبتلعوا انتصارات المقاومة بالسيطرة على منطقة مشرعة وحدنان، واستعادة موقع الكشار اسفل مديرية مشرعة، والماسك بخناق المدينة خاصة مناطق المقاومة من المسبح وجبل الجرة والمرور وصولا إلى "بير باشا" والقوات الآتية من الضباب في عقاقه، ناهيك عن إمكانية السيطرة والوصول الى قوات المقاومة وقراها في الضباب وجبل حبشي فيما لو  سيطروا علي كامل المديرية المطلة علي جبل حبشي غربا ونجد قسيم والمسراخ جنوبا وجنوب غرب .

صحيح ان المقاومة في تعز لن تنتهي او تندحر بمجرد الاستيلاء على مشرعة وحدنان، لكنها ستكون في وضع صعب بينما تعطيها مشرعة وحدنان الموقع والانسان نقله نوعية نحو النصر.

كانت الدبابة التي تمركزت في كشار قد اذاقت المدينة الويل والرعب والموت بقذائفها العشوائية، حينها كانت المديرية تهمهم بغضب وابناؤها المعروف عنهم ثقافة الثورة والتمرد على النظام الاستبدادي مبكرا، يتساءلون: هل يمكن ان تُضرب الثورة والمقاومة من قرانا ونحن نتفرج انه العار ذاته يردد الناس بقهر!

كان وضعا كابوسيا بالنسبة لأبناء المديرية الذين فوجئوا بالوضع، ولا يوجد لديهم امكانيات أمام ترسانة تقتل اخوانهم وتضرب مدينتهم ولا تابه لهم ولشعورهم، ولا تعيرهم أدنى اهتمام، فمعيار الاهتمام والاحترام  عند هولاء هي القوة وليس الانسان ..والقوة بيدهم .

 ومع كل قذيفة تنطلق إلى المدينة، كانت تنتشر في القرية حالة بؤس على شكل قهر وأنين في قلوب الرجال وهي حالة لاتقل عند النساء. لقد فاض القهر فانساهم النظر الى موازين القوة، لتنطلق مظاهرة سلمية من القرية نحو سلاح ومواقع ودبابة الموت مطالبين برحيلهم.

ارحل، ارحلوا .. وكم ردد أهل مشرعة وحدنان هذه الجملة المغطسة بماء الحرية والدم والفداء في ٢٠١١م .. ارحل ارحلوا فردت  الدبابة: ارحل من يرحل ؟

تبعتها بعطسة ساخرة على هئية قذيفة إلى المدينة تخطف أرواح وتهدم منازل، واستمر صراخ الناس ارحلوا، واستمرعطس الدبابة بقذائف الموت امعانا في السخرية ليتبعها سائق الدبابة بكلمة مستخفة خلصتوا... يالله هجعونا عندنا شغل مش فارغين للضجة  والهبالة ...

في هذه الأثناء كانت الروح الشعبية تنتظر عملا خارقا فهم لايستطيعون العودة والدبابة تضرب المدينة ومعها تضرب كبرياء القرية وشرفها وفي لحظة فداء جاء العمل الخارق ..

اتجه "جمال سلطان"، أحد ابناء القرية بيديه العاريتين نحو الدبابة وفجرها، نعم فجرها بدون سلاح أو مفجرات، وسط ذهول عناصر الميليشيات وتكبيرات الرجال وزغردات النساء.

 ولم تمر لحظات إلا والدبابة تحترق، ولأن موقعها مهيمن على المدينة، تجمّع أهل المدينة من بعد يشاهدون حريقا هناك، وعندما علموا بأنها الدبابة، سرت بينهم فرحة وارتفع كابوس، واتجهت الانظار إلى صبر الجبل ومديرية مشرعة وحدنان، وفي اليوم الثاني كان "جمال سلطان" اسم يتردد في ارجاء المحافظة، انه البطل الشهيد  الذي احرق الدبابة بدون سلاح ... لقد رشّ الدبابة بترول، واشعل فيها النار لتحترق وتتفجر بما فيها من ذخيرة ولتشتعل معها المقاومة بينما صعد جمال سلطان شهيدا بطلقة من احدى مواقع المليشيات القريبة.

 ليلتفت ابناء المديرية إلى البحث عن وسائل بسيطة تمكنهم من ردع الغزاة، المهم أن نقاوم ولو بالأظافر، ألم تبدأ مقاومة الدبابة بالحناجر، وانتهت محترقة ؟!

 لقد لفت نظرهم الشهيد سلطان إلى أن الامكانيات لاتمثل عائقا لمن يملك الارادة؛ فالمقاومة مثل  الرزق ابدأ متوكلاً على الله، وكل شي يتسهل ويأتي تبعا للارادة.

لم يمر وقت قصير من ذلك اليوم حتى كانت القرية المقاومة قد طردت الغزاة من قرى مشرعة واستولت على سلاح ومواقع وبدأ الناس يتشكلون كمقاومة، وباسلحة شخصية وذخيرة محدودة جداً، وحصار مضروب من أسفل الجبل، حيث تسيطر الميليشيات على منطقة "صينة" في المدينة، وتمسك بمخنق الطريق الوحيد المؤدي للمنطقة، وما زالت الميليشيا تسيطر على مواقع مهمة في "حدنان" .

كان الأمر برمته غير وارد في ذهن الميليشيات، وتلقوها ضربة تحت الحزام، ولهذا فلم تنتظر الميليشيات كثيراً حتى جمعت قواها، وحشدت من خارج تعز القوة التى تقول بأنها معدة  للاقتحامات الصعبة.

 ثلاثون دورية مدججة  بسلاح ومدرعات وصواريخ محمولة التفت من طريق "الموادم"، والموادم هذه مطلة على مديرية مشرعة وحدنان، إضافة إلى وجود مواقع ما زالت معهم  فى حدنان وعلى رأسها التبة الاستراتيجية، "تبة مسعود"، المهيمنة على المنطقة .

مسك الجميع على قلوبهم مقهورين فالمسألة مسالة وقت للاستيلاء على قرى المديرية التي لم تعد للحرب، ولم تتمكن المقاومة للوصول الداعم، بدأ الهجوم وبدأ أفضل المتفاءلين يتساءل هل استولى الحوثي على كل القرى والا عادوه؟

 هل سيصمدوا الليلة؟

كانت معركة  مصيرية للجماعة، وحلفائها، وكان الهجوم شرسا مصحوباً بغطاء ناري احرق القرى،  فقد ضربت الدبابات والمدافع من أكثر من خمس مواقع مختلفة، الأمن السياسي، قلعة القاهرة، نادي الصقر، ذمريين، ومواقع أخرى، كلها صبت نيرانها على المنطقة في وقت تقدمت قواتهم لتستولي على قريتين، بداية وبوقت قصير.

  ولأن المعركة غير متكافئة، فقد بدأ الكثير وكأنهم يستسلمون  للواقع، مجبرين، ولو مؤقتا،  فبدأوا ينسحبون إلى خارج المديرية للنجاة، وللاستعداد للتحرير، بينما بدأ مسلحو الحوثي وحرس "صالح" كالعادة بتفجير منزلين.

في اليوم التالي جاءت اخبار غريبة؛ لم تستطع القوة الغازية من التقدم ولقد غرقت في المنطقة التي وصلت اليها، وتكبدت خسائر بالعشرات قتلى وجرحى.

 ومثلما قرر وأبدع "جمال سلطان"  في ضرب قوة الدبابة ليفتح بوابة  المقاومة،  نجح شباب لا يزيد عددهم عن عشرين مقاوماً  في مبادرة الصمود، وكتابة قصة النصر والمجد لجبل صبر وتعز.

لم يلتفتوا إلى رعب القوة، وقرروا المقاومة اياً كانت الظروف، ومهما بدأت الأعاصير والعواصف و بروح المنتصر.

في كل المعارك التاريخية التي تخوضها الشعوب، هناك اناس يُسقطون من حسابهم الانسحاب وترك الموقع حتى لو كان مبررا، وهولاء من يرجحون الكفة ويقلبون الموازيين ويمسحون الحسابات، وفي تعز شاهدنا هذه النماذج كثيرا في كل المواقع والجبهات .

 لقداعاقوا القوة المدججه ثلاثة أيام، وكان هذا هو المطلوب لانقاذ المديرية من السقوط الذي يتبعه سقوط الروح وهذه هي الكارثة، كان المطلوب اناس استثنائيون يمتصون الصدمة .

 وكان العارفون يقولون لو تم الصمود يومين فانهم رجال.... وأكد آخرون لوصمدوا يومين لامتصوا الصدمة.. وسيبدأ اندحار وهزيمة القوة الغريبة، وهو ما تم  كمعجزة مبهرة في عالم المقاومة، وعلم الحروب.

قصة صمود أعادت الشاردين وجمعت شتات القوة، وحافظت على الروح، بل نفخت مزيدا من الروح ومكنت المقاومة من ترتيب التعزيز والمدد، خاصة في الذخيرة.

لتبدأ حكاية تركيع قوة جيش وميليشيا مدججة بكل أنواع الأسلحة من قبل قرية مدنية امتلكت الحق والارادة والأبطال لتدحر قوة بهذا الحجم، لاينقصها بواعث الحقد والثأر القديم والحديث .

بعدها كان من الطبيعي ان تتناقل الأخبار استيلاء المقاومة على "تبة مسعود" أهم تبة كانت بيد الميليشيا من قبل حرق الدبابة، ولم تفرط بها لأهميتها والتي وصلها تعزيزات كبيرة لم تغنِهم شئيا عن تمشيط قرى حدنان التي كانت قد انتشر  فيها الميليشيات مع وجود متعاونيين ومتحوثيين هناك.

وعن التحام مقاومة مشرعة وحدنان بمقاومة الموادم حيت انتفض الناس وبدأت تحرير قرى على طريق موقع العروس، على المقاومة في صبر أن لا تتوقف هنا، بل تمضي لطردهم من كافة صبر وخاصة بعض قرى صبر الموادم، ذمريين، ومنتزه زائد، والدمغة، لتلتحم مع مقاومة المدينة  وتنحدر مثل السيل نحو ثعبات والقصر الجمهوري والقوات الخاصة وقلعة القاهرة وصينة، فالسيل اذا نزل هادرا من صبر سيتجاوب معه كل الجبهات المقاومة لتحرير المدينة والاحتفال بالنصر والتحرير تحت علم الجمهورية اليمنية، وبإرادة بناء مختلفة نحو دولة مدنية خالية من السلبية والفرقة الشعبية، خالية من الاستبداد والاستحواذ واللصوص والخرافة القادمة من كهوف الدجل وقلّة الدين.

مديرية مشرعة وحدنان نموذج لمقاومة شعب بكل الوانه واطيافه المدنية والحزبية تحديداً التي عرفت بها وتميزت في كل المعارك .