نبيل سبيع

نبيل سبيع

"الخبالات الاستراتيجية" !

2015-07-26 الساعة 02:03


-------------------------

ليس لدى الحوثي "خيارات استراتيجية"، لديه فقط "خبالات استراتيجية".

من حيث المبدأ، لا يوجد شيء يسمى "خيارات استراتيجية". وحين تسمع أحدهم يقول إنه سيتخذ "خيارات استراتيجية"، فأعلم أنك أمام أحد هؤلاء:
"أخبل استراتيجي"،
أو "جاهل استراتيجي"،
أو "جعنان استراتيجي"،
أو كل هؤلاء مجتمعين في واحد.

وعلى أي حال، ليس هذا موضوعنا هنا..
دعوا هذه النقطة جانباً، وانظروا الى هذه الصورة التي التقطت بالأمس لأتباع جماعة الحوثي الذين خرجوا بمسيرة في باب اليمن تندد بـ"الصمت الدولي أمام العدوان السعودي على اليمن". ينطوي هذا التنديد طبعاً على مطالبة ضمنية واضحة للمجتمع الدولي بالتدخل لإيقاف الحرب السعودية، وهو الأمر الذي لم تتوقف قيادات الجماعة عن مطالبة المجتمع الدولي به منذ بدء الحرب. غير أنها تؤكد، في الوقت نفسه، على "حقها" في مواصلة حروبها الداخلية ضد اليمنيين: في كل مرة، طالبت فيها بايقاف العدوان الخارجي على اليمن واليمنيين، كانت تؤكد على "حقها" في مواصلة العدوان الداخلي على اليمن واليمنيين!

هذا التناقض الصارخ حضر بقوة ووضوح في يافطة المطلب الرئيسي الذي خرجت به هذه المسيرة "المُسَيَّرة" بالكامل: ففي الوقت الذي نددت هذه المسيرة بـ"الصمت الدولي" على استمرار الحرب السعودية، لاحظوا بماذا تطالب: تنفيذ "الخيارات الإستراتيجية" التي تعني- بحسب بنودها المعلنة على لسان قيادات حوثية- حرباً مفتوحة باتجاه الداخل والخارج!

هل تعلمون أن بين بنود "الخيارات الاستراتيجية" التي أعلنها الحوثيون: إسقاط النظام السعودي؟!
بالله عليكم، هل هذه "خيارة استراتيجية" متاحة فعلاً أمام الحوثيين؟
أم أنها مجرد "خبالة استراتيجية"؟

لن نغرق في الإجابة على هذا السؤال الذي يحمل إجابته داخله.
دعونا نكمل فقط: التناقض الذي حملته يافطة المسيرة الحوثية بالأمس انتقل اليوم الى موقف الجماعة من الهدنة الانسانية التي أعلنها الرئيس هادي من طرف واحد، طرف حكومته وطرف قوات التحالف. لم أطلع على موقف الجماعة الرسمي، غير أن توجهها الإعلامي أظهر استخفافاً بالهدنة، بل إنه استقبل إعلان هادي كدليل- أو في أفضل الأحوال كشاهد- على هزيمة السعودية واحتياجها المُلِحّ لهدنة. ومن بين مايستند عليه الخطاب الحوثي المستخف بالهدنة قولٌ مفاده أن: "الخيارات الاستراتيجية" هي من دفعت السعودية والمجتمع الدولي الى اعلان الهدنة، الهدنة التي لاتريدها السعودية حتى وإن أعلنتها هي. فمنذ بدأت الحرب وهي تقاتل على جبهتين: جبهة الحرب العسكرية في اليمن وجبهة الحرب الديبلوماسية مع المجتمع الدولي كلما ارتفعت مطالبه بهدنة إنسانية ووقف الحرب.

لكنْ، ماذا نقول للحوثيين؟

اقرأوا العنوان أسفل الصورة: "انطلاق مسيرة كبرى في باب اليمن تنديداً بالصمت الدولي واستعداداً لتنفيذ الخيارات الاستراتيجية".
أو بعبارة أدق: "استعداداً لتنفيذ الخبالات الاستراتيجية".

أعزاءنا الحوثيين،
هل مايزال لديكم خبالات استراتيجية تنفذونها؟
لقد نفذتم كل الخبالات الاستراتيجية التي خطرت ولم تخطر على بال بشر. ولم يتبق أمامكم سوى خبالة استراتيجية واحدة:

أنْ تستمروا في إلحاق الأذى والهزيمة بشعبكم وبلدكم معتقدين أنكم تلحقون الأذى والهزيمة بالسعودية وأمريكا وإسرائيل!

 

**************************

 

"الخيارات الاستراتيجية" التي تم تفويض عبدالملك الحوثي من قبل "الشلة" بتنفيذها لا تهدف في الواقع الى مواجهة الخارج (السعودية) بل تهدف الى مواجهة الداخل (اليمن).

"إسقاط النظام السعودي" وبقية البنود المتعلقة بالمواجهة العسكرية مع السعودية في لائحة "الخيارات الاستراتيجية" مجرد بنود فضفاضة لتوفير الغطاء اللازم لتنفيذ البنود المتعلقة بـ"إسقاط النظام الجمهوري" في اليمن.

جماعة الحوثي تسعى من خلال "الخيارات الاستراتيجية" التي فوضت زعيمها بتنفيذها إلى إستكمال مشروعها "الإمامي" الذين لن يقوم أبداً إلا على تمزيق اليمن. ويمكن تلخيص "الخيارات الاستراتيجية" التي تطمح الجماعة الى تنفيذها في القضاء على ما تبقى من التعددية السياسية وحرية التعبير وهامش المجتمع المدني في اليمن.

جماعة الحوثي لا تسعى (ولن تسعى) أبداً الى محاربة السعودية خارج حدود الجمهورية اليمنية من أجل استرداد نجران وعسير وجيزان كما تزعم كذباً وزوراً وبهتاناً، بل تسعى الى القضاء على ما تبقى من إرث الجمهورية اليمنية مع إرث الجمهوريتين اللتين شكلتاها (الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) من أجل إسترداد دولة "الإمامة" و"العكفة" و"المسيدة الهاشمية"، وإنْ بدون اسمها وعنوانها الواضح والصريح: لن تضطر هذه الجماعة لإعلان "الإمامة"، لكن كل ما تفعله الآن هو إقامة "الإمامة" على أنقاض "الجمهورية". ومن لا يرى جيش "العكفة" الذي يبنيه الحوثي على أنقاض ما كان يسمى بـ"الجيش اليمني" شخص أعمى. ومن لا يرى دولة "المسيدة الهاشمية" التي يقيمها الحوثي على أنقاض "دولة الجمهورية اليمنية" أعمى مرتين.

العقلاء في جماعة الحوثي مطالبون بـ"فَرْمَلَة" هذا الجنون وهذه المهزلة. فمن يظن منهم أن هذا المشروع الإمامي السلالي الكهنوتي سينجح في هذا الزمن وفي هذه الظروف أعمى ثلاث مرات. وحتى لو نجحت هذه الجماعة الموبوءة بالسلالية والكهنوت وبسطت مشروعها التمييزي العنصري على كل اليمن، فلن يدوم طويلاً وستظل لعنة التاريخ تطارد كل من تورط في هذا المشروع جيلاً بعد جيل.